الخطأ الذي وقع قبل أيام في الجناح الأردني في معرض "إكسبو "دبي ٢٠٢٠ من الممكن أي يقع في أي زمان أو مكان ، العلة لا تكمن في الخطأ من ناحية الشكل ، بمقدار ما تقع في الأسباب التي أدت إليه ، منها لوثة الإعتماد على الشركات الخاصة في أي مناسبة أو حدث وتكليفها بشؤون التنظيم دون مراقبة ومتابعة ، يأتي هذا في وقت تمتلك الحكومة بمفهومها الشامل كوادر بشرية كبيرة مؤهلة ومثقفة تستطيع أن تقوم بالمهمة دون التكاليف الباهظة ، وربما في الكثير من الأحيان تكلف الشركات بمهامها دون مسابقات معلنة.
تستطيع الحكومة في مناسبات عديدة كما في معرض مثل معرض " إكسبو " دبي أن تعتمد على طلاب الجامعات الأردنية ومراكز الشباب الأردنية في جانب كبير من العلاقات العامة والتنظيم ولدينا القدرة الكبيرة في ذلك.
لا أريد الخوض بقصة الإستثمار والاستفادة من فرصة المعرض الكبيرة والاستعدادات الحكومية في هذا المجال ، فمكانه ليس هنا.
الأهم من ذلك أن العلة الأكبر والأخطر والتي دائما نكتشفها ، أن هناك عوار كبير لدى معظم قطاع الشباب في ثقافتهم الوطنية حتى تلك الجوانب البديهية التي كنا نلم بها منذ الصفوف الأولى بالمدارس ، ولكن الإهمال الكبير الذي مورس سواء في المناهج أو تقصير كثير من المؤسسات الوطنية بتنوعاتها في تثقيف الأجيال على كل المستويات ، أدى إلى وجود هذا الواقع المتردي.
لقد سبب هذا التقصير في تجهيل قطاع كبير من أبنائنا ، على كل مستويات المعرفة ، ليس فقط في الثقافة الوطنية بل على معظم الأصعدة الثقافية العامة والعلمية .. أين ذلك الجيل الذي بنته مناهج عميقة ومدروسة ، وفتحت أمامه الساحة لممارسة عمل عام منضبط يبني القدرات العقلية والروحية لدى الفرد ، الأمر الذي أوجد أجيالا متسلحة بالعلم والثقافة كان الأردن يفخر بها على مستوى العالم.
إن هذا الواقع المتردي بحاجة إلى دراسة صادقة ومتعمقة للوقوف على الأسباب التي أنتجته ومحاولة التغلب عليها من خلال إعادة بناء المناهج الدراسية وتوفير مساحة كبيرة للشباب لممارسة الحياة العامة لتحفيزهم ثقافيا وذهنيا ولجعلهم يندفعون في طريق المعرفة والاطلاع والعمل على صقل مواهبهم بعيدا عن الركاكة والتسخيف وثقافة ال take away في السوشيال ميديا الذي هو الآخر تعاملنا معه بطريقة خاطئة ولم نستفد منه كما استفاد غيرنا.
صحيح أن تدفق المعلومات في عصرنا هذا هو المسيطر ، ولكننا للأسف لم نستطع التعامل أيجابيا مع هذا الواقع الجديد على مستوى العالم لأننا في الأصل أهملنا تحصين الأجيال وبناء فكرهم على قاعدة صلبة من الثقافة الوطنية والعامة حتى يكون هناك توازن فعلي في تفكير الشباب.
أتمنى أن تكون حادثة "إكسبو" جرس إنذار لنا ، حتى نعاود التفكير في إمكانية إعادة تأسيس كل ما من شأنه أن يعيد بناء العقول الناشئة على أسس صحيحة تساعد على استدراك ما فات ، لأننا لم نهزم تماما في هذه المعركة فما زلنا قادرين على استعادة المبادرة من جديد شريطة توفر النية الصادقة.