حتى عام 1989 كانت كوبا تعيش عالة على المنحة السوفييتية البالغة مليارين من الدولارات سنوياً، وفي تلك السنة بدأت نهاية الاتحاد السوفييتي، وانقطعت المساعدة الخارجية فجأة، وهبط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35%، واعتقد بعض المراقبين أن كوبا ستسقط تلقائياً وأن شعبها سيركع أمام العملاق الأميركي.
لكن كوبا صمدت، وكيّفت أوضاعها مع الظروف الصعبة المستجدة، وأصبحت تقترب بسرعة من حالة الاكتفاء الذاتي، وهي حاجة استراتيجية ماسة في ظل الحصار الأميركي الخانق المفروض على كوبا منذ أكثر من أربعين عاماً.
في كوبا اليوم نظام صحي متميز، يحصل على 16% من اعتمادات موازنة الدولة أو حوالي 2ر7 مليار دولار سنوياً، ولا يتفوق على الصحة في أولويات الحكومة الكوبية سوى التعليم، حيث هبطت نسبة الأمية إلى الصفر، وظهرت جامعات متميزة.
ومع أن كوبا إحدى الدول النامية في العالم الثالث، فإنها تتمتع اليوم بعدد من أفضل المؤشرات الاجتماعية التي تضاهي الدول الغنية: ارتفاع متوسط العمر إلى 77 عاماً، انخفاض نسبة وفيات الأطفال، القضاء على عدد من الأمراض كالملاريا وتدني نسبة المصابين بأمراض خطيرة كالايدز.
إذا لم تكن كوبا دولة ديمقراطية بالمعنى السياسي، فالسبب يعود لكونها تعيش تحت الحصار المزمن، الذي فقد مبرر وجوده بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة حيث لم تعد كوبا قاعدة محتملة أو مركز انطلاق لمهاجمة الولايات المتحدة.
الكوبيون يكرهون الحصار، ولكنهم لا يشغلون أنفسهم كثيراً به، فقد رتبوا حياتهم على أساس أن الحصار حقيقة قائمة ومستمرة. وقد نشأت نشاطات اقتصادية عديدة بسبب الحصار قد تتعرض للخطر في حالة رفعه والانفتاح التجاري بين كوبا وأميركا، حيث سـتتدفق الاستثمارات الأميركية، وتحوّل القطاع الصحي إلى تجارة، وتتحول كوبا إلى مقصد سياحي طبي للأميركيين، وقد تخسر كوبا أفضل الكفاءات الطبية والتربوية بالهجرة إلى أميركا.
تبدع الشعوب عندما تتعرض للتحدي وتتوفر لها القيادة التاريخية، وكوبا نموذج لشعوب العالم الثالث التي استطاعت النهوض بالرغم من كل الصعوبات.
الراي