مسؤولية الدولة وتعزيز قيم السلم الأهلي
فيصل تايه
13-11-2021 01:50 PM
استعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد باستخدام الأدوات الحادة بقصد ترويع المواطنين وفرض السطوة عليهم وابتزازهم وسلب حقوقهم، ذلك يشكل خطورة تهدد أمننا وتكدر سكينتنا وتمس طمأنينتنا على أرواحنا ومصالحنا وممتلكاتنا فيما يعرف بظاهرة "الزعرنة" التي تزايدت في الآونة الأخيرة، حيث وبسبب كلمات "عابرة " أو "مارقة" يطلقها بعض "البلطجية" على "الآمنين" بقصد التحرش واستعراض القوة قد تسيل دماء مواطن حين تتسبب حروفها في تلاسن يحمل عبارات "قمئة" الى أن تتطور إلى تشابك بالأيدي وتكون النتيجة إصابات وجروح وعاهات دائمة و"تبلي"وقضايا متبادلة في "المخافر" " ، وتعطيل مصالح وأعمال ، فهذا هو جزء من الواقع المؤلم الذي يصبغ بدماء العنف والذي يستلزم منا وقفة متأملة.
من جانب آخر فان البعض وللاسف يتسبب في افتعال "الهوشات" و "العراكات" المقصودة والمتعمدة والتي قد تسبب اعاقات جسمية أو تشوهات أو إزهاق أرواح بلا أي مبررات منطقية ، فحين يخرج اي منا من بيته قاصداً عمله أو ذاهباً إلى قضاء حاجاته ، ثم تحدث مشاجرة بينه وبين شخص آخر بسبب او بدون سبب ويتصاعد الخلاف لينتهي بالايذاء أو قد يصل حد مقتل أحدهما على يد الآخر ، وبذلك فحين يتصاعد هذا النوع من جرائم القتل بشكل ملحوظ و «أغلبها لأسباب تافهة وخلافات يمكن تدادكها» ذلك يستلزم خطوات عاجلة وتحركاً من قبل الجهات المعنية لدراسة الأسباب من منظور أمني وتشريعي وتربوي ومجتمعي وأسري.
اننا وحين نعيش هذه التفاصيل المقلقة والتي خلفت جزء منها "جائحة كورونا" ، لنجد انها أثرت سلباً على كافة مناحي الحياة وتسببت في ضغوط وتداعيات وزادت معدلات العنف بشكل غير مشهود ، فمن أقرب الأمثلة على هذا النوع هي جريمة القتل التي شهدتها مدينة اربد مؤخراً وقبل أيام ، والتي تعد بمنزلة ناقوس خطر وجرس إنذار لتفاقم العنف بصورة تتنافى مع طبيعة المجتمع الأردني ، فهذه الجريمة البشعة التي هزت المجتمع والتي ذهب ضحيتها مواطنين اثنين وايذاء والدهم ، على يد صاحب سوابق دون وجود أسباب واضحة ، وإن كانت هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها ، لكنها من الجرائم الدموية في نهايتها المأساوية وطريقة إزهاق الروح ، حيث ان أصداء هذه الجريمة لا تزال تتفاعل في المجتمع على أكثر من صعيد ، فبينما ألقي القبض على الجاني، تواصلت ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ولا يزال الناشطون يطالبون بوقفة جادة من أجهزة الدولة المعنية للتحرّك العاجل للوقوف عند هذه الظاهرة المقلقة، لدراسة أسباب العنف ووضع العلاج المطلوب واحتواء الشباب والأحداث.
من ناحية أخرى فان التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية في جرائم العنف والقتل تشير إلى أن غالبية تلك الجرائم تقع بسبب خلافات عادية لا تصل لدرجة القتل ، ذلك نتيجة لرفض الآخر وعدم تقبله ، والانجرار وراء الفورات العصبية ، الأمر الذي يقرع أجراس الخطر، ويستلزم فتح ملف هذه النوعية من الجرائم التي ستبقى تهدد أمننا الاجتماعي ، بل وأصبحت واقعاً مؤلماً ، وهذا يدعونا الى مراجعة في أسلوب التربية الذي يجب ان يُدعّم بالوازع الأخلاقي والإنساني تجنباً لازدياد العنف ، حيث يقلل الأفراد من إنسانية الآخرين ويبدأون بممارسة العنف ضدهم ، فحالة الفراغ التي يعيشها الشباب والمراهقون تفسح المجال لوجود العنف في المجتمع.
اننا وحين نطالب بمزيد من الحملات التوعوية الموجهه فاننا نعتقد أن الحملات الحالية "وعلى قلتها" ما زالت تأخذ طابعاً تقليدياً ، ولن تكون مجدية في الظروف والاحوال الحالية ، بل انها "مملة" ومستهلكة وغير مناسبة لجيل "رقمي" ينتمي إلى عصر "السوشيال الميديا" ، فما نحتاجه بالفعل مشروعات مجتمعية فعالة تحمل في مضمونها الأنشطة والحملات الاعلامية الذكية التي تستخدم تكنولوجيا الاتصال وتفاعلية الذكاء الاصطناعي ليكون لهذه الحملات نتيجة فعالة وتأثير واهتمام بين أوساط الشباب.
كما واننا نحتاج لوجود شبكة خدمات اعلامية مركزية لرصد المشاكل في المجتمع والتفاعل الفوري معها وإعطاء الشباب فرصة للتنفيس عن هذه المشاكل والتعبير عنها حتى لا يشعروا بأن التواصل معهم مفقود وأن أصواتهم غير مسموعة ، ومن هنا فانني ادعو الى وجود ترسانة اعلامية للقيادة بالقوة الناعمة وتعزيز الرسائل المفيدة من خلالها إضافة الى بناء وترسيخ الهوية الوطنية الاعلامية والعلامة الوطنية الاعلامية لتعزيز روح الأمل والتفاؤل والفخر بين أفراد المجتمع الواحد وبالذات مجتمع الشباب ، ذلك خوفا من تولد الشعور لدى الكثيرين الشعور باللاانتماء واليأس والرغبة في الهروب من الواقع إلى المخدرات وألعاب الفيديو والحملات المشبوهة واللجوء إلى العنف.
اعتقد وفي الحديث أن من الضرورة بمكان توجيه المسؤولية على عاتق الدولة ، فمواجهة هذا التحدي يحتاج الى ميزانيات خاصة تدعم الجهود الاستثنائية الكبيرة التي تقوم بها الجهات المسؤولة بما فيها الأجهزة الأمنية المختلفة والادارات المسؤولة خاصة إدارة البحث الجنائي وادارة الأمن الوقائي ، إضافة لادارة مكافحة المخدرات ، هذه الادارات التي تحملت "في ذلك" فوق طاقتها ، ما يتطلب الدعم المادي الكافي من اجل المساعدة في مواجهة حجم الافات الخطيرة التي تجتاح منظومتنا السلوكية ، ذلك بتجنيد الطاقات والامكانات وتدعيم اساليب العمل التي تمكنها من القيام بواجباتها المهنية بكل همة ومسؤولية ، خاصة مع ارتفاع معدلات العنف عند الشباب في الآونة الأخيرة ، كما واعتقد أن على الدولة أيضا مسؤولية كبيرة حين ركزت خلال أزمة كورونا على معالجة الجانب الصحي ، وأغفلت الجوانب التربوية والاجتماعية والنفسية ، فلم نر خلال فترة الجائحة أية رسائل إعلامية أو مجتمعية تُعالج الجوانب الاجتماعية والتربوية، ولم يتم الالتفات إليها من قبل المعنيين ، فأزمة كورونا كان لها الكثير من التداعيات التي أثرت على المجتمع الاردني برمته ومختلف دول العالم بسكانه ، منها ما هو اقتصادي وصحي واجتماعي ونفسي ، ولكن الجانب الصحي هو الذي "طغى" على المشهد خلال تعاطي الدول مع الجائحة ، وفي المقابل تم إغفال الجانبين النفسي والاجتماعي ، مما كان له أثر سلبي كبير ، سواء كان على أصحاب الأعمار الصغيرة أم الكبيرة.
واخيرا وان اطلت ، فانا اعتقد أننا نحتاج إلى خطة وطنية متكاملة تشترك بها جميع القطاعات الأمنية والقضائية والتعليمية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني ومجالس المحافظات والمجالس المجتمعية الأمنية وآئمة المساجد والوجهاء ، للمساهمة في نشر وتعزيز قيم السلم الأهلي والتماسك المجتمعي والمواطنة والحوار والتسامح ، ونبذ العنف ونشر الخطاب الإعلامي الموجه بحيث يكون مستجيباً لمحاربة الكراهية ومواجهة التحريض على العنف والترويج له.
بقي ان اقول اننا واضافة إلى ما سبق وتحدثت ، فاننا نحتاج إلى تعزيز فرض هيبة الدولة والحكومة وتعزيز مبدأ سيادة القانون ، فكل هذه الامور متداخلة ولها علاقة مباشرة بارتفاع الجرائم في المجتمع ، اضافة إلى ضرورة تبني تعديلات تشريعية وقانونية متكاملة تعمل على تغليظ العقوبات على تلك الجرائم مما يحقق الردع العام والخاص في المجتمع.
والله ولي التوفيق