كون أي مواطن يستطيع أن يقول ما يشاء علناً، وأن يكتب مقالاً يبعث به إلى صحيفة ما، لا يعني أن كل ما يقال يستحق الاستماع وكل ما ينشر يستحق القراءة.
تنشر الصحيفة اليومية عدداً من المقالات والزوايا يصل إلى 35 مقالاً، فلمن يكتب هؤلاء، ومن يقرأهم، ولماذا هذا السخاء في تسويد الصفحات بهذا العدد الكبير من المقالات التي لا تختلف محتويات بعضها عن أي حديث عابر يمكن سماعه في سيارة سرفيس أو مقهى شعبي.
أميركا مثلاً لا ينقصها كتّاب، ولكن صحيفة أميركا الأولى (نيويورك تايمز) لا تنشر يومياً أكثر من افتتاحية أو اثنتين، وثلاث مقالات أو أربع. ولا تخصص لهذا الغرض سوى الصفحتين قبل الأخيرة من القسم الأول.
الذين يكتبون في الصحف العالمية كتّاب متخصصون في الموضوعات التي يخوضون فيها، ويقدمون معلومات جديدة وآراء ذات قيمة، تصنع الرأي العام، تهم المسؤولين وتؤثر في قناعاتهم وقراراتهم وسياساتهم. أما في صحفنا فالمجال مفتوح على مصراعيه لمن هب ودب، لأن هناك مساحات يجب ملؤها.
لن نقف طويلاً أمام أشخاص يعتقدون أنهم كتّاب ويلحون في الرجاء والضغط على رؤساء التحرير لنشر مقالاتهم، أو يوسطون أصحاب نفوذ لإجبار المحرر على نشر تلك المقالات.
في صحيفة أسبوعية محترمة مقالات عديدة مصفوفة ضمن إطارات مرتبة هندسياً أقر رئيس تحريرها بأن القارئ الوحيد لكل منها هو كاتبها نفسه، فلماذا هذا الإسراف في الورق والحبر لنشر مقالات لا تجد من يقرأها.
رئيس الحكومة في زيارته ل«الرأي» مؤخراً قال أنه يتوقع النقد، ويعتبره دعمأً للحكومة تستفيد منه، ولذا فالمقياس هو رد الفعل الرسمي تجاه النقد المنشور، فهل هناك كتّاب في السجون؟ وهل هناك ممنوعون من النشر؟ وهل هناك كتّاب تضرروا بسبب ما نشروه مما لا يرضي الحكومة؟. الإجابة على هذه الأسئلة هي التي تقرر ما إذا كان النقد مباحاً أم لا.
التميز الصحفي لا يكون بالكمية بل بالنوعية.
د. فهد الفانك
الراي