اذا كان المرء يتعرض ل "صدمة" حضارية اذا انتقل من بلد متخلف الى بلد متقدم ، فقد تعرضتُ اواخر السبعينيات الى مثل هذه ال "هزة" حين طلب مني أبي العمل مع متعهد بناء خلال العطلة المدرسية الصيفية لكي "اطلّع مصروفي" كطالب في مدرسة "الرصيفة الثانوبة للبنين".. وشاءت الاقدار ان يكون عمل المتعهد في منطقة "الشميساني" التي كانت وقتها "أرقى" مناطق عمان.

كان المطلوب مني جمع التراب من "حفرة واسعة" ونقلها في "قفة" الى الخارج. واذكر ان العمل تسبب لي في "عاهة" مؤقتة ، فأدى ثقل التراب الى الم في كتفيّ "الطريين" في ذلك الوقت.

وكالعادة ، هربت قبل ان ينتهي الشهر.

اثناءها شاهدت فتياتْ جميلاتْ يتمشين على "البسكليتات" وهو مشهد لم نعهده من قبل. وكنتُ في مستهل مراهقتي ، بعين انظر الى البنات في الشارع وبعين اخرى انظر الى الرجل الذي يحفر بالكمبريصة ويأمرني بازاحة التراب الذي يخرج من الارض.

لكن الأمر من ذلك كله "شكلي" وانا "مروّح" من الشغل والغبار يملأ ملابسي الرثة ، بينما الكائنات "الشميسانية" تسير على "سنجة عشرة". طبعا لا تسألوني عن "العقد النفسية" التي كنت اعاني منها لمجرد تأملي المحال التجارية والمطاعم الفخمة.

وبعد عشرين عاما ، تكرر المشهد حين ذهبتُ الى "الصويفية" ، بعد ان طلبت مني "جميلة" زيارة "شارع الوكالات" وعموم شوارع "الصويفية" لعمل "شوبنج" والاطلاع على الماركات العالمية في الملابس.

بصعوبة وجدنا مكانا نوقف به سيارتنا المتواضعة ، فكل الاماكن "ممنوع الوقوف" بها. وقلت ل "جميلة": الله يعين اهل الصويقية وين بيحطوا سياراتهم،

لفينا وأصرت "جميلة" أن تأكل "البوظة" رغم تحذيرات وزارة الصحة من ان تناولها في الشتاء مضر ويسبب التهاب في "البلاعيم". لكنني لا استطيع رفض طلب لفتاتي ال "الجميلة".

كان الناس يسيرون والشباب يضحكون والصبايا يتبارين بماركات الموبايلات ، والحقيقة ان "جميلة" احست بالغيرة الشديدة حين اقتربت مني صبية وسألتني ان كانت تستطيع ارسال "مسج" من موبايلي بحجة انها "مضطرة" لذلك.

لفينا ودرنا وكانت عيني على سيارتي ، خايف "اضيّع مكانها". وفي النهاية لفت نظري مطعم اسمه يوحي انه من المطاعم الشعبية ، فهرعتُ اليه واشتريت "سندوش فلافل" وقلت: يا فكيك،

وعدتُ الى الرصيفة،