عندما صدر قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية لسنة ١٩٧٦ كنت لا ازال طالبا على مقاعد الدراسة في كلية الهندسة بجامعة الاسكندرية وانتابني شعور بالفخر ان اكون اول المتقدمين في خدمة وطني الحبيب وملكي المفدى ، الحسين رحمه الله.
سارعت بالوصول الي طلعة العبدلي جبل الحسين ودلفت الي الطابق الثاني حيث كان يتم تجهيز المكتب ووضعت لافتة "مكتب العاصمة لخدمة العلم " .
التقيت حينها بالمقدم صباح الروسان المسؤول عن التسجيل و المتابعة وبعدها العميد سميح حنون مدير التعبئة والتجنيد الذي قال لي لماذا الاستعجال لازلت طالبا وبامكانك التأجيل ، وفعلا حصلت على دفتر خدمة علم كنت اتباهى به امام جميع زملائي واصدقائي سواء في الاردن او مصر.
وقد التقاني الصحفي الرياضي المتميز " شيحا " رحمه الله واجرى معي لقاء هو والشاب القادم الي الصحافة المتالق " مفيد حسونه" واجروا معي لقاء من صفحتين لجريدة الشعب باعتبار انني اول لاعب تايكوندو اردني يحصد ميداليات ذهبية ويفوز ببطولة الشرق الاوسط و بطولة جمهورية مصر العربية خمس سنوات . لم يكن هناك اي اتحاد للتايكوندو انذاك في الاردن ، و لتلك قصة اخرى .
كان المانشيت الرئيس للجريدة : طوقان بطل الشرق الاوسط يدعو الشباب للانضمام الى خدمة الوطن.
عدت بعد التخرج من الجامعة و التحقت بسلاح الجو الملكي برتبة ملازم اول مهندس في قسم المطارات بناء على توصية من الامير زيد بن شاكر قائد الجيش بعد لقاء لخريجي كلية فيكتوريا في لندن بحضور جلالة الملك الحسين رحمه الله و اعتذرت حينها من الصديق سالم بن لادن رئيس مجموعة بن لادن للانضمام و العمل مع الشركة في جدة لرغبتي في نيل شرف الخدمة العسكرية في الجيش العربي.
واكثر ما حفر في قلبي الانتماء كلمة رئيس هيئة الاركان انذاك الفريق حلمي اللوزي في افتتاح اول دورة للضباط الجامعيين حملت الرقم (١٩) ان قال :" نرحب بكم ضباطا في الجيش العربي لبناء الوطن الاردني الشامخ ولكم ان تفتخروا بانتمائكم للدفاع عن وطنكم فانتم اكثر انتماء لوطنكم من عدونا الاسرائليي الغاصب و الذي ياتي افراده من شتى بقاع الارض للدخول في جيشه المعتدي ".
كانت كلمة حماسية وعقيدة قتالية اصداؤها لليوم في اذني من ذلك النموذج الاردني القائد و المحفز لضباطه رحمة الله عليه استلهما منها بعض الكلمات عندما القيت كلمة الضباط الخريجين يوم ان تشرفنا بوضع الرتب علي الاكتاف .
وبعد انتهاء فترة خدمتي المحددة بست سنوات تشرفت باختياري مع طاقم بريطاني للعمل في قسم ادارة الطرق المستحدث في بلدية دبي بداية ١٩٨٨.
وبعد عام ونيف حدثت حرب الخليج الاولى و تم استدعاء الاحتياط فشعرت بدمائي تتدفق لهفة للعودة لتراب الوطن والدفاع عنه ، فتحدثت مع اللواء مدير الاستخبارات انذاك و الصديق ضيف الله الزبن و تم تاميني وعودتي لوحدتي " هندسة المطارات" لفترة بسيطة وذلك باعتباري اول قائد لوحدة الاصلاح الفوري للمطارات العسكرية (و المدنية وقت الحرب).
تركت الوظيفة و الراتب و السيارة و كل الامتيازات بلا ندم و شعرت بفخر نداء الوطن الذي يفوق كل اموال الدنيا ومغرياتها، في وقت للاسف هرب البعض من الزملاء في الاحتياط الي خور فكان و اخرين اختفوا ليظهروا وزراء و مسؤولين في حكومات لاحقة .
الخدمة العسكرية نيشان علي صدر كل من انتمى لها و جبل بتراب صحارى الوطن الحبيب و جباله و سهوله .
تذكرت تلك الايام بكل فخر و فرح و بهجة و حزنت كيف ان هروب قلة من خدمة العلم بتزوير شهادات لحالات مرضية او التحايل عبر ابائهم الوزراء للخدمة في القصور و مكاتب بعض الالوية على الورق دون دوام فعلي و بعدها ايضا اصبحوا وزراء و منهم من تقلد اعلى من ذلك المنصب .
ويبقى الوطن وطن الجديرين بالدفاع عنه و حمايته من اصحاب الارض الاصليين ، و يلقي التاريخ بالهاربين في مزابل التاريخ و ان حصدوا اعلى المناصب على حساب الشعب الاردني الطيب و اهله الشغوفين بتراب الوطن .
مطلوب مراجعة ملفات كل المتهربين ووضع الحقائق امام العامة لمعرفة الصالح من الطالح و محاسبة المزورين الهاربين من شرف خدمة العلم.
عاش الاردن خفاقا بأبنائه.