في الوزارات والمؤسسات المستقلة، في الدوائر الحكومية، في المديريات العامة، هناك لجان: تدقيق، واستلام، ومناوبات، وطرح عطاءات، وفحص، ... إلخ.
والحاصل هذه الأيام أن المدير، مدير المديرية أو مدير الإدارة، يرشح من يمسح له الجوخ أكثر من غيره من موظفي دائرته لإحدى تلكم اللجان، وفي بعض الأحيان ينتدب المدير نفس الموظف لأكثر من لجنة ما دام أن الأخير لديه فيتامين «واو» عند الأول، إذ فضلا عن التزلف والتملق، فللمحسوبية والوساطة أدوار رئيسية في تحديد موظف لا يداوم معظم أيام السنة عضوا في لجنة على الأقل! أما الموظف الذي يحرث ليل نهار في القيام بواجبه لأن ضميره لا يرتاح إذا ما قام بذلك فيمضي عمره الوظيفي وهو يضرب أخماسا بأسداس على كرامته وعزة نفسه اللتين لا تسمحان له بمسح الجوخ لمدير لديه عقدة نقص «الفشخرة»!
والمشكلة بل المعضلة أن المدير له صلاحيات «قانونية» في تعيين أعضاء تلكم اللجان! وذلك بحسب نظام ديوان الخدمة المدنية! ونتيجة لمثل هذه التعيينات الفاسدة، يعم السخط، ويتفشى الإحباط، وينتشر اليأس، ويسطع الغضب، وتغلي مراجل الحقد الدفين، ولا نسمع إلا: حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا فلان بن علان!
وإذ يشتكي الموظف المظلوم للشؤون القانونية في وزارته، ويسألهم: أين العدل؟ يجيبونه: في السماء! ثم يخبرونه أن عليه ان «يزبط وضعه» مع المدير! فالقانون في صف المدير!
عضوية تلك اللجان تمنح العضو المنافق لمديره مكافآت مالية أو علاوات أو بدلات تغنيه في بعض الأحيان عن راتبه! أما الموظف المحروم من نعم تلكم اللجان فيسأل في منتصف الشهر أحد زملائه: معك عشرون دينارا لآخر الشهر؟!
الأصل في المدراء الذين يريدون تطوير الإدارة، والإرتقاء بمستوى أداء الدائرة، والإرتفاع بكفاءة المديرية، أن يعدوا كشفا شهريا بأسماء الموظفين الذين سيحظون بشرف عضوية تلك اللجان في هذا الشهر أو ذاك، وبشكل دوري منتظم، على أن يوزع هذا الكشف على كل موظفي الدائرة، بحيث يتحقق مبدأ «المداورة»، ومن ثم يشعر كل موظف بأن له وزنه الوظيفي، وقيمته العملية ما دام أن حقه في عضوية اللجان واصل له ب«الدورية»! أو أن يعمل ديوان الخدمة المدنية على تشريع الأنظمة التي تكفل لكل موظف حقه القانوني في عضوية تلكم اللجان على قاعدة «المداورة»!
ثمة مفارقة!
يحدث أن المدير يرشح موظفا ما لعضوية إحدى تلكم اللجان لا لسبب إلا لأن هذا الموظف «شغيل» في رأي المدير! ممتاز! تحقق العدل نسبيا إذا كان هذا الموظف فعلا «شغيل»! وقلنا: "نسبيا" لأن الواقع أن كل موظف يدعي أنه «شغيل»! إذ لا عدل مطلق! لكن أين المفارقة؟ المفارقة أن هذا الموظف ال«شغيل» إذا خرج يوما ما عن «شور» المدير لسبب ما أو آخر؛ فإن المدير يبدأ بمحاربة هذا الموظف، وأول سلاح يشهره في وجهه: حرمانه من تلك اللجان! فالموظف ال «شغيل» لم يعد بعد «شغيل»!
هذا البلد الأمين يئن من غياب العدل! هذا الوطن الغالي يصرخ من شدة الظلم! هذه الأرض المقدسة تشكو السماء المباركة من احتكارها العدل! ولا حياة لمن تشكو إليه وتتظلم له!
تنويه: المقال يتحدث عن قضية عامة، ولا يقصد الإطلاق؛ فهناك مدراء عادلون يعطون لكل ذي حق حقه من الموظفين، ولمثل هؤلاء المدراء ندعو لهم بالصحة والعافية أولا وبطول البقاء في مناصبهم ثانيا، وداموا ذخرا لهذا الوطن الحبيب وسندا له.