لم يَصدُق الشعراء والأدباء ولا صانعي الامثال في اعتقاداتهم بأن الحب يبدأ في القلب ، فهذه الظاهرة والتي ولدت مع الانسان ورافقت جميع مراحل تطور الإنسانية عبر العصور كان من اهم نتائجها الى جانب السعادة انجاب الاطفال والتكاثر فهي لم تولد في القلب وانما في الدماغ ، اي انها مسألة عقليه المنشأ وليست قلبية كما يعتقد الكثيرون .
الدراسات الطبية الحديثة ونتيجةً لتطوّر كفاءة الأجهزة والمعدات الطبية الجديدة استطاعت ان تثبت بان الحب يبدأ وينتهي في الدماغ فهو ناتج في الاساس عن خليط هرموني ممزوج بنواقل عصبية متعددة تؤثر على الدماغ وعلى اعضاء اخرى من الجسم وفي النهاية توّلد عواطف جياشة نحو شخص محدد.
تلعب الهرمونات دوراً حاسماً وهاماً في تشكيل مشاعر الإنسان ، فقد كشفت الدراسات بأن مفعولها عند الوقوع في شباك الحب يشبه الإدمان على المخدّرات .
الحب غريزة طبيعية تحدث بشكل تلقائي وبشكل خارج عن السيطرة ، فالوقوع في الحب كما هو مثبت علمياً يمر بثلاث مراحل وهي: الرغبة ، الانجذاب ، ومرحلة التعلق والارتباط طويل الأمد ، ولكل مرحلة منها هرمونات خاصة بها من شأنها أن تُحدِث تغييرات فسيولوجية ونفسية وربما جسدية ، ففي المراحل الاولى من الرغبة والانجذاب والميل لشخصٍ ما يقوم الناقل العصبي الدوبامين «Dopamine» والذي يتم افرازه من غدة توجد في قاعدة الدماغ تدعى الهيبوثالاموس»Hypothalamus» بدوراً هاماً في الشعور بالاهتمام والانبهار بهذا الشخص ومن هنا يبدأ الاهتمام به والتقرب منه ولكن بحذر ، وهذا الناقل العصبي يؤثر مباشرة على الجزء المسؤول في الدماغ عن المكافأة والسعادة وهو الجزء اللمبي والذي يبدأ بإفراز هرمون الحب عند بداية العلاقة العاطفية والذي يعرف بالاكسيتوسين «Oxytocin» حيث يقوم بدوره بالتأثير على انفعالات أعضاء متعددة في الجسم كالقلب ، البطن ، الجلد ، الشفاه والوجه ، ويزداد معدل تسارع نبضات القلب وتتوسع الشرايين وتبدا تفاعلات في البطن وتتحول تعابير الوجه لتصبح متفائلة ومرحة والشعور بالارتباك ، والتعرق والتلعثم بالكلام والشعور بالخجل والرجفة والقشعريرة وفي بعض الأحيان ارتفاع درجة حرارة الجسم وتصبح الشفاه جاهزة للتقبيل .
وبعد نشوء العلاقة العاطفية يعطينا هذا الهرمون الى جانب هرمونات أخرى مثل التستوستيرون «Testosterone» والسيروتونين «Serotonin» الشعور بالثقة والامان والاعتماد على الشخص الآخر بل ويعزز ايضاً شعور التعلُّق الوجداني به والهوس الشديد نحوه وتزداد الرغبة بقضاء اكبر وقت ممكن معه كون هذا الامر يغذي الجسم والدماغ بالسعادة والمشاعر الإيجابية التي يحتاجها للاستمتاع بالحياة .
ولهذه الهرمونات تأثيرات أخرى على الدماغ فهي تسمح بإنتاج هرمونات تخديريه تدعى اوبياتا والتي ينتج عنها التعامل مع الحبيب بطريقة غير طبيعية فيراه أجمل مخلوقات الدنيا وأفضل الناس على الأرض ويتغاضى عن أخطائه ويغفر زلَّاته وهو راضٍ تماماً عن العلاقة ويرى في ذات الوقت بان الصفات الجميلة للمحبوب هي التي تطغى ويبدأ بالتكيّف مع هذا الامر دون أن يتسبب ذلك بنشوء فجوة في العلاقة فاختيار هذا الشخص واستقراره في الوجدان والعقل يجعلك مغمور بحالة من الرضا والارتياح اليه ، فالكمال البشري ليس موجود على الاطلاق والتغاضي عن الزلات والعيوب يدعم مشاعر الرضا والاستقرار بل ويجعل هذه العلاقة تدوم طويلاً . بل وربما يؤدي هذا الوضع الى الدخول في حالة من الرغبة في تملُّكه والخوف من فقدانه وتتعمق بذلك ظاهرة الغيرة بل بزيادة التعلق تظهر علامات الإدمان على هذا الشخص مما قد يؤدي الى نشوء تصرفات غير مدروسة وعفوية وهذا الوضع لا يهدأ دائماً بل قد يستمر لسنوات كثيرة ولكن عند البعض تبدأ الأمور بالهدوء وخاصة بعد الانجاب والانشغال في الأمور الحياتية وتربية الأبناء أي عندما تصبح الحياة اكثر روتينية .
فليس عجباً ان المحب يرى بعين مختلفة .. لا يرى فيها سوى كل جميل بل وتحجب عنه العيوب ، وهذا ما يجعلنا نعترف بصحة بعض الأقوال المأثورة مثل : «الحب أعمى» أو « الحب يرى الورود بلا أشواك « .
ومن جانبٍ اخر فإن نسبة افراز بعض الهرمونات في الجسم قد تختلف احياناً وهذا بدوره يؤثر مباشره على نوعيه الحب والعلاقة العاطفية فعلى سبيل المثال : الافراط في افراز السيروتونين يجعل الشخص في حالة من القلق والاضطراب وهوس الاستحواذ والتملُّك للشخص الاخر وهذا قد يُدخله لاحقاً في حاله من الغيرة المرضية.
كما ان زيادة نسبه الاكسيتوسين ترفع نسبة الثقة بالحبيب وزيادة نسبة الاوبياتا الادرينالين والنورادرينالين تدخل الحب في حاله من الجنون والتعلق والغيرة والخوف من فقدان الحبيب.
فليس من السهل تحليل مسألة الحب وفقاً للعوامل الكيمائية البيولوجية سابقه الذكر فقط ، بل من الممكن وجود عوامل اخرى تؤثر وقد تكون اكثر تعقيداً لذا يبقى تحليل مسألة الحب مسؤولية طبية علمية يجب تكثيف الابحاث العلمية حولها . فالحب مشاعر إنسانية ذات سر إلهي مكنون وشكلت لغزا كبيرا حير العلماء منذ الأزل لذا يجب كشف أسراره وتفسير ما يحدث داخل جسم الإنسان عند الوقوع به .
الدستور