من أراد أن يشاهد بروفة حقيقية «للحشر والنشر» واستلام «كتابه بيمينه او شماله» ما عليه سوى التوجه لأقرب دائرة أحوال مدنية هذه الأيام.
**
بالأمس ، استغرقت مني عملية نقل رجلي اليمنى من «آخر بسطة على الدرج» الى عتبة دائرة الأحوال المدنية نصف ساعة ، بقيت قبلها واقفاً على ساق واحدة مثل اللقلق بسبب الازدحام..
كما احتجت الى ضعفي المدة حتى استطعت الوصول الى صالة المراجعين سالماً غانما ، صحيح اني ظفرت بحقيبة نسائية في ذراعي وعقال على رأسي بعد التدافع لكني اعدتهما الى صاحبيهما ..
منذ اللحظة الأولى التي وفقني الله بها، وأوصلني الى صالة الانتظار بدأت بصرف عبارات الاعتذار و»العدم مؤاخذة» مثل : «انت مثل أخوي»،»لا تآخذنا» .. وذلك كلما نويت ان اكدّس جثتي فوق جثة من هو امامي والتصق به التصاقاً مريباً..وبعد ثلاث ساعات من المثابرة والتعرق المشترك ، استطعت ان اخترق ابط سائق «سفريات» لأمد رأسي في أول فراغ لاح لي - مستغلاً وضع يده على خاصرته مستنكراً طلبات موظف الكاونتر- أخرجت رأسي من ابط الرجل بالمقلوب فمي الى اعلى وعيناي الى أسفل وبدأت بالحديث مع موظف الأحوال ..مبرزاً دفتر العائلة من تحت ابط شيخ فاضل آخر يدعى أبو دجانة:-
- شهادة ميلاد جديدة لو سمحت!! قلت للموظف.
فاعتقد الموظف ان الصوت صادر من سائق «السفريات» فقال له: جننتني :تارة تريد شهادة ميلاد وتارة تطلب تثبيت الدائرة الانتخابية !! ما الذي تريده بالضبط.
- فرفعت له صوتي من تحت ابط السائق و قلت انا الذي يريد شهادة ميلاد!!..ثم صاح بي من جديد..تريد شهادة ميلاد وما علاقة جواز سفرك ؟؟...فأقسمت له أن الذي أمده هو دفتر العائلة..ثم بعد تتبع الأيادي والرسوم التوضيحية للآباط ، اكتشف ان جواز السفر يعود للشيخ ابو دجانة ..بعد ان ميّز الدشداشة عن قميصي الأزرق المخطط..
أعطاني طلبا لأملأ البيانات بما فيها اسم المولود...سحبت يدي من بين جموع الأيادي والخواصر والأرداف بحذر وخوف شديدين..وحررت ساقي من بين فخذي رجل متقاعد..وانطلقت بين الجموع صارفاً دفعة جديدة من عبارات: معلش «مثل اخوي» «مثل اختي»..»لا تواخذونا» ..»كلنا زلم».. وذلك كلما اصطدمت بمنطقة محظورة تخص أحد المراجعين..
على الدرج تعاقدت مع كاتب استدعاءات شاب ..أن ادفع له 5 دنانير مقابل ان يحملني على كتفيه كما يحمل العريس في ليلة «الحناء» وذلك لحين دفع الرسوم وأخذ «فيشة»الدفع بغية الرجوع حياً الى أولادي بدون أي معلولية..
**
قطعنا شوطاً في القرن الحادي والعشرين ..ولا زال الازدحام في دوائرنا الحكومية جزءا من الفلكلور الوظيفي..في اوروبا والخليج كل معاملاتك تتم من خلال البريد..فقط ادفع الرسوم،ارفق الوصل مع الأوراق في مغلف خاص،ضعها في صندوق مخصص باب الدائرة ، وفي اليوم التالي ستصلك أوراقك منجزة كاملة الى بيتك او الى صندوق بريدك..دون المرور بعجيبة»الآباط» الوردية..
***
غطيني يا كرمة العلي وسكتي الاولاد... عقلي صار بدّه بدل فاقد.
ahmedzoubi@hotmail.com
الراي