التنمية السياسية ودولة الابتكار
المحامي د. يزن دخل الله حدادين
09-11-2021 11:52 AM
إن المتابع للمشهد السياسي والاقتصادي الأردني يرى حالة من التخبط في إدارة بعض الملفات المتعلقة في التنمية السياسية. في بعض الأحيان يُلاحظ وجود حالة من التسرع في القرارات مع عدد من القضايا بطريقة أقرب الى العَصبيّة. في حين ترى أوساط سياسية مراقبة لما يجري في الأردن من اجراءات أن عدد من القرارات لم تكن موفّقة من حيث الشكل والتوقيت، وربما من حيث النتائج، رغم أن الأردن يتسلح بتراث كبير من الدهاء السياسي والفكري ليس فقط على الصعيد الأردني بل على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الدولة الأردنية لديها رؤية واضحة في التعامل مع مختلف الملفات المحلية وبالمنطقة وعلى مستوى العالم، سواء في سياساتها الداخلية أم سياساتها الخارجية، وهو ما أكسبها المصداقية في المجتمع الدولي وحضوراً فاعلاً في المشهد الدولي، ولقد قاد هذا المشهد بنجاح جلالة الملك عبد الله ابن الحسين شخصياً. حان الوقت للبدء الفعلي للتنمية السياسية وحان الوقت لإعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات التي تمس الحياة اليومية للمواطن الأردني. ولكن، وبشكل متوازي، يجب أن يكون هنالك نهج واضح ومتطور وقابل للتنفيذ ذو أثر مباشر. ألم يقل جلالة الملك في الورقة النقاشية الثانية أن "الإصلاح الديمقراطي لا يختزل بمجرد تعديل للقوانين والأنظمة، إنما يتطلب تطويرا مستمرا للنهج الذي يحكم الممارسات والعلاقة بين المواطنين"؟ المفهوم من هذا القول أن العبرة بالقوانين ليس تطوّرها وتقدّمها فقط، إنما توافقها وتناسبها مع ثقافة واحتياجات مجتمعها، وميزان القانون العادل أن يكون القانون مِرآة لمراد الشعوب حيث أن هيبة الشعوب ومكانتها منبعها قوانين قوية تعكس الرؤيا المستقبلة للشعب والدولة.
تُعد التنمية السياسية عملية مُعقّدة ومتشعبة وتتطلب تظافر الجهود لإنجاحها، وتقوم على منهجيات هدفها احداث التغيير في أساليب النُظُم السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل الحاق الدولة في ركب الدُوَل المتقدمة وبناء الدولة القوية. يرى المتتبع للأحداث السياسية مجموعة من التحديات المتسارعة والمتمثلة في احداث الإصلاحات السياسية في الأردن التي هي عنصر من عناصر التنمية السياسية واحداث التغيير في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ان لعملية التنمية السياسية دوراً في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في الأردن، وذلك كنتيجة للاستجابة لمتطلباتها المتعلقة بالمشاركة السياسية والعدالة وبناء منظمات المجتمع المدني. فالتنمية السياسية عملية تغيير متعددة الجوانب، تهدف إلى إيجاد نُظم تُحقق النمو السياسي والاقتصادي والمشاركة الانتخابية على قاعدة ترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء.
ومن مؤشرات التنمية السياسية الفاعلة هي: مبدأ سيادة القانون، وجود مجتمع مدني فاعل، وجود ثقافة سياسية مدنية مبنية على الحوار واحترام الرأي الآخر، تطوّر التشريعات، وجود تعددية فكرية شاملة، المساواة في الحقوق والواجبات. بالتالي التنمية السياسية هي جملة الخطط والسياسات الهادفة الى تفعيل دور المؤسسات التشريعية والقضائية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، بهدف ترسيخ أسس ومقومات دولة الحق والقانون ضمن معايير أولها تحديد هوية المجتمع بحيث يكون مجتمعاً متماسكاً تحكمه هوية مشتركة وانتماء وطني سياسي وثقافة سياسية تستوعب كل الاطراف داخل الوطن.
بناء على الطرح أعلاه وفى ضوء تشابك التحديات التي تواجهها الأردن، وفى ظل الحاجة لوجود سياسات جديدة لتحقيق التنمية السياسية المستدامة، تبرُز هنا الحاجة لتفعيل ما يعرف بـ "الدولة الابتكارية" لتفعيل التنمية السياسية لمواجهة الأزمات المعاصرة ومواكبة التطور السياسي والاقتصادي. وأقصد هنا بالدولة الابتكارية الدولة التي تطرح الأفكار والخطط الجديدة القابلة للتنفيذ، على أن تشمل أساليب جديدة لتنظيم عمل المؤسسات المختلفة، وتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتقديم الخدمات العامة، والتوسع في استخدام التكنولوجيا داخل الدولة. ومن مقومات الدولة الابتكارية هي الشراكة الفاعلة مع القطاع الخاص والتوسع الحقيقي في الاستثمارات والعمل على إقامة أسواق وقطاعات جديدة. كما أن الدولة الابتكارية يجب أن تقوم بدور فعّال في مواجهة تغيّر المناخ، شُح المياه، البطالة، والتأمين الصحي. كل ذلك من خلال وجود رؤية صلبة، وإطار عمل مشترك، ومسار يحدد تطور المؤشرات من أجل إنجاز الأهداف المشتركة. ومن هذا المُنطلق يتّضح أهمية إعادة هيكلة العديد من المؤسسات العامة لتتحول إلى بؤر ومناطق للابتكار. يجب اعتماد إستراتيجيات لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي وملاحقة سياسات الابتكار كجزء لا يتجزأ من الاستراتيجيات الوطنية للتنمية السياسية المستدامة.
ختاماً، ندعو الى استحداث برنامج وطني يضم نُخب المواهب الشابة في المملكة الأردنية الهاشمية للتعاون في تصميم اقتراحات وأفكار رائدة لتصميم مستقبل واعد وبناء الدولة الابتكارية المبنية على أفضل الأسس في التنمية السياسية حيث أن هذا الأسلوب يمكن الاستفادة منه لتطبيق تغييرات جذرية على منظومة العمل العام واطلاق مشاريع استثنائية ومستقبلية للدولة الأردنية من خلال نشر ثقافة الابتكار ودعم الابتكار والابداع من خلال تسهيل تسجيل براءات الاختراع، ودعم البحث العلمي بالتعاون بين مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية الأكاديمية وأخيراً تحويل الأفكار المبتكرة الى أنشطة تجارية.