استهداف منظمات المجتمع المدني الفلسطينية هل هو انتقام شخصي؟
الفرد عصفور
09-11-2021 10:56 AM
منظمات المجتمع المدني في فلسطين منظمات اجتماعية غير ربحية تعمل على تحسين نوعية حياة الفلسطينيين وتسعى إلى رفع مستوى المعيشة للمواطنين والأهم من ذلك تساعدهم على زيادة قدرتهم على الصمود في وجه الاحتلال. ويمكن اعتبارها في أحيان كثيرة نوعا من المقاومة اللاعنفية، فأدواتها سلمية وتعمل بالتعاون مع منظمات دولية معروفة.
لم يكن من المستغرب أن تكون هذه المنظمات موضع عداء سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي وجهت إلى ست منها تهمة الإرهاب. وسلطات الاحتلال تقوم منذ سنوات بمراقبة نشاطات هذه المنظمات عبر الأجهزة الأمنية وتقوم بإعاقتها وتعطيل عملها.
إجراءات إسرائيل ضد المنظمات المدنية الفلسطينية ليست جديدة وقد سبق أن قامت سلطات الاحتلال بكثير من الحملات المناهضة لهذه المنظمات في السنوات الماضية. فهذه المنظمات مؤسسات راسخة وتعمل بدقة على توثيق إجراءات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وقد كانت إحداها وهي مؤسسة الحق ركيزة أساسية في توثيق الدعوى المرفوعة إلى محكمة الجنايات الدولية بشأن اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب في الأراضي المحتلة.
ما يلفت النظر أن من حرك القضايا ضد هذه المنظمات المدنية هو وزير الدفاع المتهم بارتكاب جرائم حرب في غزة إبان حملة عام 2014 ضد القطاع إذ كان في ذلك الوقت رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي. فهل يمكن اعتبار إجراءاته ضد منظمات المجتمع المدني بانها عملية انتقام؟
يؤكد على هذه المسألة الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية في اتصال خاص معه في رام الله ويقول أن منظمات المجتمع المدني عملت على كشف حقيقة تورط الوزير الإسرائيلي بيني غانتز المتهم شخصيا بارتكاب جرائم حرب ضد قطاع غزة وساهمت مؤسسة الحق بوجه خاص في توثيق جرائمه ولذلك كما يقول الدكتور البرغوثي من المؤكد أن في الإجراء الإسرائيلي نوعا من الانتقام الشخصي من قبل الوزير الإسرائيلي.
التهمة الظاهرة التي استخدمتها إسرائيل هي ارتباط هذه المنظمات بالجبهة الشعبية، وتقول إسرائيل أن لديها براهين ملموسة على ذلك الارتباط وستقدمها للولايات المتحدة. لكن منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اعترضت على الإجراءات الإسرائيلية ورفضت توصيف المنظمات الفلسطينية بأنها إرهابيه وقالت إن هذا الاتهام غير جائز فهذه منظمات إنسانية وتعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة. فقد كانت هذه المنظمات مصدرا مهما للدبلوماسيين الغربيين الذين يزورون الأراضي المحتلة لتقصي الحقائق لمعرفة ما يجري فيها.
إجراءات إسرائيل ضد منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي تعمل على إعطاء الطابع الإنساني للفلسطيني المقاوم هدفها الخفي نزع الوجه الإنساني عن الفلسطينيين لاستفزازهم ودفعهم دفعا إلى حالة من اليأس تلقي بهم إلى دائرة العنف ليبقى لدى إسرائيل المبررات اللازمة لسياساتها القمعية. فلماذا تعمل إسرائيل على اتهام منظمات إنسانية تعمل باليات سلمية بانها منظمات إرهابيه؟
لا شك أن إسرائيل تخشى النضال الفلسطيني السلمي الذي اثبت نجاحه خصوصا من خلال حملة مقاطعة منتجات مستعمرات الضفة الغربية. هذا الموقف الإسرائيلي من المقاومة اللاعنفية قديم ويمكن البرهنة عليه من خلال ما قامت به إسرائيل من اغتيال الشخصيات الفلسطينية من قادة منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينات. فقد كانت أغلبية هؤلاء القادة الذين تم اغتيالهم من دعاة السلام ومن انصار العمل السياسي والتسوية السلمية، وقلة قليلة منهم كانوا قادة عسكريين.
لقد قاومت إسرائيل وبشدة جميع أشكال المقاومة اللاعنفية التي ظهرت في فلسطين وهي تكره هذا النوع من المقاومة أو النشاط لأنها لا تجد أي تبرير لقمعه لكنها تتجرأ على منظمات إنسانيه لتحرم الفلسطينيين من الحماية المجتمعية التي تقدمها هذه المنظمات. وهذه الحماية المجتمعية هي احدى حقوق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال التي كفلها القانون الدولي.
منظمات المجتمع المدني التي تشكل حجر الأساس للمجتمع المدني الفلسطيني الذي يحمي حقوق الإنسان ويعززها نجحت في السابق ومازالت ناجحة في دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتثبيته فيها وأسهمت بكثير من الخدمات للمواطنين الفلسطينيين وشكلت رديفا لأجهزة السلطة الفلسطينية. فدورها في الأراضي المحتلة ضروري فهي بالإضافة إلى توثيقها الدقيق للإجراءات الإسرائيلية بحق المواطنين تحت الاحتلال تقدم خدمات في رعاية الأطفال وتمكين النساء وتوفير الحماية القانونية لهن.
ويرى الدكتور البرغوثي أن هذه المنظمات تقوم حتى منذ ما قبل تشكيل السلطة الفلسطينية بتوفير خدمات جليلة للمواطنين تساعدهم على الثبات على أرضهم. ومعروف بحسب الدكتور البرغوثي أن خمسين في المئة من الخدمات الصحية المقدمة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة تقدمها هذه الجمعيات والمؤسسات ومؤكد أيضا أن مئة في المئة من الخدمات المقدمة لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة تقدمها هذه الجمعيات ومن هنا فإن الإجراءات الإسرائيلية بحق هذه الجمعيات تعد ضربة مباشرة لصمود المواطنين وتعطيل لخدمات لن تتوفر بدون هذه الجمعيات.
والاهم من ذلك تقوم هذه المنظمات بمساعدة الأسرى والمعتقلين وتتابع حقوقهم وتطالب بها. ولذلك فالإجراء الإسرائيلي يهدف إلى التأثير على صمود الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وتدمير الجهود الأهلية التي هدفها حماية الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية.
وكان لهذه المنظمات دور فاعل في نقل صورة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى العالم وحققت إنجازات هامة في هذا المجال. ومن هنا تقف الآن المئات من منظمات المجتمع المدني في العالم وخصوصا في الولايات المتحدة إلى جانت هذه المنظمات الفلسطينية. فالمنظمات المدنية الفلسطينية تتمتع بسمعة دولية رفيعة وعلاقات جيدة مع نظيراتها في العالم لخدمة أهدافها وهذا ما لا تريده إسرائيل.
ففي الولايات المتحدة صدر بيان بتوقيع أكثر من مئتين وخمسين منظمة مدنية أميركية بإدانة الإجراء الإسرائيلي وتطالب الإدارة الأميركية بإدانة هذا الإجراء أيضا. وهذه الوقفة تشكل دعما معنويا كبيرا للشعب الفلسطيني. كذلك كان دعم المجموعة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي عبر بيان بإدانة الإجراء الإسرائيلي. الجديد في هذا الموقف انه يعتبر القرار الإسرائيلي قرارا قمعيا ينم عن ضعف شديد يتماهى مع مواقف الأنظمة الاستبدادية التقليدية. فما قدمته إسرائيل مما اسمته وثائق وبراهين ضد المنظمات المدنية الفلسطينية لم تكن تحتوي على أدلة قوية تظهر ضلوع هذه المنظمات في أي أعمال إرهابيه.
من المعروف أن المجتمع الفلسطيني هو أكثر مجتمع مدني متطور في العالم العربي وهذا لا يعجب سلطات الاحتلال وضرب المؤسسات المدنية قد يكون مجرد بداية ليتوسع بعد ذلك ليشمل كل النشاطات المدنية السلمية في باقي أنحاء الضفة الغربية. ويتماشى هذا التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق مع أهداف إسرائيل البعيدة في الأراضي المحتلة وفي المقدمة منها تفريغ الأرض من سكانها وتغيير النمط الديموغرافي فيها.