ما لا تعرفه عن نبيك (1) (نبي الرحمة والسلام)
د. عبد الحميد الأنصاري
09-11-2021 01:15 AM
الصورة النمطية التي رسختها كتب السيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام صورة نبي مولع بالقتال والغزو يتباهى بأنه (نبي الملاحم) يرجع من غزوة ليستعد لأخرى. تطغى أخبار الغزوات والسرايا والأسرى والسبايا والغنائم على أخبار العمل الدءوب لرسولنا في تربية الصحابة، رضوان الله عليهم، وغرس العقيدة في نفوسهم وتزكيتها وتنظيم المجتمع الإسلامي الأول وإدارته بالشورى والعدل ومكارم الأخلاق، وهي جوهر الرسالة المحمدية.
والحقيقة أن حياة رسولنا ليست غزوات وسرايا، فهذه لا تشكل إلا المساحة الصغرى في عمر الرسالة ( 23) عاما: منها (13) عاماً عاشها في مكة هو والقلة المؤمنة عرضة للأذى والعدوان صابرين و(10) أعوام في المدينة في بناء دولة الإسلام والدفاع عنها ونشر الدعوة وتأليف القلوب وإبرام معاهدات الصلح والسلام مع اليهود وغيرهم.
لماذا طغت أخبار معارك الرسول داخل الجزيرة العربية (مع أهل مكة والمناصرين لها) وخارجها (مع الفرس والروم) على الجوانب الأخرى الاجتماعيىة والثقافية والأخلاقية والتنظيمية؟
مرجع ذلك نشأة كتابة السيرة النبوية، إذ بدأت بمغازي ابن إسحق إمام المغازي والسير المتوفى 151 هجري والذي كان كثير النقل عن مسلمة اليهود، خاصة فيما يتعلق بالحروب، والناس إنما تستهويهم أخبار البطولات والفتوحات والانتصارات بأكثر من غيرها، كما شجع خلفاء بني العباس أخبار المغازي شحذاً لحمية أنصارهم للدفاع عن دولتهم الوليدة ضد خصومهم، ومبرراً لتوسيع مملكتهم باسم الجهاد.
وما كان المبعوث رحمة للعالمين حرباً على البشرية قط، وما كان ذلك سجية لصاحب الخلق العظيم، وما قاتل إلا اضطراراً في الجزيرة وخارجها، دفاعاً أمام اعتداء واقع أو في سبيل أن يقع بأمارات دالة ناطقة من باب (الهجوم خير وسيلة للدفاع).
فما كان رسولنا وصحابته الكرام محبين للقتال، بل كارهون له بنص الكتاب (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لكُمْ)، كيف وهو الذي نهى أصحابه عن مجرد تمني القتال (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية)؟!
أنت أيها المسلم في حل من قبول مرويات تنسب لرسولك ما لا يستقيم وشمائله السامية مثل: (بعثت بالسيف، وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، لمناقضته الصريحة قوله، إنما بعث رسوله رحمة للعالمين، لا سيفاً على رقابهم.
كيف تقبل، أيها المسلم، حديثاً يصور رسولك لا همَّ له إلا سل السيف من أجل رزقه من المغنم؟!.
الحديث ضعيف سنداً ومتناً ولا يغرنك تصحيح الشيخ الألباني له، فهو واسع الخطو في تصحيح الضعيف لمجرد كثرة الطرق.
كما لا عبرة بتحسينه لحديث (يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح) الذي رده مفتي مصر د. شوقي علام لأنه ضعيف سنداً ومتناً.
إن نبيك (نبي الرحمة) حقاً وصدقاً لا (نبي الملحمة).
استمع للصحابي جعفر بن أبي طالب يجيب النجاشي تعرف نبيك حقاً:
أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، دعانا إلى الله نوحده، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزُّور، وأكل مال اليتيم.
ثم اسأل نفسك: هل هذه أخلاقيات نبي مولع بالقتال يحب سفك الدماء يتباهى بأنه نبي الملاحم؟!
ولا تصدق أيها المسلم أن رسولك أمر بالاغتيال غدراً أو أقر ما سماه الفقهاء لاحقاً (جهاد الطلب).
وبعد أن قال المولى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لا عليك من حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا).
ولمعترض أن يتساءل: ماذا عن مذبحة بني قريظة (900) يهودي، ذبحوا كالنعاج؟!
والجواب: ذلك من تهويلات مسلمة اليهود، واليهود بطبيعتهم وعبر تاريخهم مولعون بنزعة تضخيم أعداد قتلاهم لدى الطرف الآخر لأهداف سياسية (عقدة المظلومية)، وتأكد أنه لم يرد في الصحاح عدد صحيح، وروايات أصحاب المغازي مضطربة متضاربة غير منطقية، والصحيح أن الرسول أمر بتنفيذ حكم القتل في 17 يهودياً مقاتلاً بجريمة (الخيانة العظمى)، كانوا رؤوس المقاتلة، خانوا ونقضوا وحاربوا، أما البقية فقد أسروا أو أخذوا سبايا، بنص القرآن (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) راجع الفيديو التوثيقي الرائع لعدنان إبراهيم و(محمد رسول النور والسلام) للباحث الإماراتي حسين غباش، رحمه الله.
(العرب)