وسطية الفتوى في المملكة الأردينة الهاشمية نهج أرسى قواعده الهاشميون
الدكتور محمد العايدي
09-11-2021 01:00 AM
قامت المملكة منذ تأسيسها على منهج الوسطية في كل الجوانب الحياتية والدينية، وهذا هو نهج الهاشميين على مدى التاريخ حيث إنهم رسموا الطريق التي تقام عليها أسس الدولة الاردنية، وهذا المنهج الوسطي هو الذي جعل الممكلة من أكثر الدول استقرارا وثباتا وأمناً مع قلة مواردها، وقد صبغ الأردنيون بهذه الصبغة حتى أنهم يستهجنون كل تطرف أو تشدد ويرونه غريباً عن مجتمعهم بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والفكرية وهذه نعمة كبرى حبانا الله بها ونهجا هاشميا نعتز ونفتخر به.
والفتوى في الممكلة هي واحدة من الأمور التي أخذت نفس النهج الوسطي الهاشمي العام، وقد عين سماحة الشيخ عمر لطفي وهو من الشركس أول مفتٍ في الاردن، وقد جاء إلى الاردن بموجب تكليف من المشيخة الاسلامية في الدولة العثمانية ليشرف على تاسيس معهد للعلوم الشرعية في الاردن، والذي تولى إدارته والتدريس فيه إلى ان جاء الملك المؤسس عبدالله الأول-رحمه الله- وعهد إليه ليشغل منصب المفتي العام في الدولة الاردينة عام 1921 الى عام 1944م.
وكان النهج المعمول به في الاردن في ذلك الوقت هو المذهب الحنفي المتمثل بمجلة الاحكام العدلية وهي القانون العام للدولة العثمانية، وتمتاز هذه المجلة بالوسطية والسعة، وهي عبارة عن قانون مدني مستمد من الفقه الاسلامي الحنفي، وقد أخذت شكل المواد القانونية بأن وضع لكل مادة رقم ليسهل الرجوع اليها، والإحالة عليها، على نمط القوانين الحديثة، وقد أخذت من زبدة المذهب الحنفي بما يتناسب مع ذلك العصر.
ومع تطور المملكة الاردنية الهاشمية تم اعتماد اول دستور فيها عام 1948م، وقد نص الدستور على ان دين الدولة الاسلام، ثم تم انشاء اول محاكم شرعية في عام 1951م وتستند هذه المحاكم الى مجلة الاحكام العدلية على المذهب الحنفي ثم ادخل على المحاكم الفقه المالكي فيما يتعلق بالمراة كما هو في قانون 1952م.
وفي عام 1966 صدر قانون الأوقاف الإسلامية، وتضمن تنظيم شؤون الإفتاء والمفتي، ومع تطور الإفتاء في المملكة، وكثرت الأسئلة، وحاجة الأفراد والمؤسسات إلى الأجوبة فيما يسألون عنه، تمَّ إنشاء دائرة الإفتاء عام 1986م، ولكن ظلت تابعة لوزارة الأوقاف ومرتبطة بوزيرها.
وبقي الحال على ما هو عليه الى عام 2006 حيث قام الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين-حفظه الله ورعاه- بتأسيس دائرة الإفتاء الأردنية الحالية، والتي أرسيت قواعدها على العمل بما استقرت عليه مذاهب الاسلام من الأحكام النقية الصافية التي تحمل معاني الوسطية والرحمة للناس، كما نصَّت عليها رسالة عمان.
صحيح أن دائرة الإفتاء الأردنية تتخذ من المذهب الشافعي مرجعاً في الفتوى إلا أنها تلتزم بنهج الوسطية، فمثلاً تأخذ بقانون الأحوال الشخصية الأردني المستمد من مجموعة أقوال وآراء من مختلف المذاهب الفقهية، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية عامة، وكذا يحرص المفتون على التيسير على الناس في حياتهم ومعاشهم، بما يتفق مع قواعد التيسير ورفع الحرج في الفقه الإسلامي، وهذا يجعل النهج العام في الفتوى يعتمد على التيسير والوسطية، مما استقرت عليه المذاهب الفقهية، فالمطلع على الفتاوى التي تصدر عن دائرة الإفتاء العام يجد هذا النهج واضحاً جلياً في مراعاة التيسر على الناس، ورفع الحرج عنهم، كما هو الحال في أحكام الصلاة والزكاة والحج والصيام وغيرها من العبادات، وكذا تجد هذا النهج الوسطي متبعاً في أحكام المعاملات حيث تتوسع الدائرة بما يتناسب مع التطور في أحكام المعاملات بين الناس، والتعاملات المالية المختلفة بصورها الجديدة والكثيرة.
ومما يجعل دائرة الإفتاء الأردني في أعلى القائمة بالنسبة لدور الإفتاء في العالم، هو مواكبتها للمستجدات في كل نواحي الحياة، ومحاولة ايجاد حلول موافقة لروح العصر ومنسجمة مع متطلباته.
ولا ننسى الدور الكبير الذي تقوم به دائرة الإفتاء اليوم من محاربة الفكر المتطرف ضمن الفتاوى والبرامج الإعلامية المختلفة، والمواقع الإلكترونية، مما أسهم بشكل واضح بالمحافظة على النهج الهاشمي الوسطي في الفتوى والفكر.
وسيبقى هذا الصرح العلمي والمؤسسة الدينية في مقدمة المؤسسات الدينية في العالم بإذن الله تعالى؛ لإنها تقوم على المنهج الوسطي المعتدل الرحيم، هذا النهج الذي يقدم للناس كلّ ما ينفعهم في حياتهم ومعاشهم وآخرتهم.
حمى الله الاردن حصنا منيعاً في ظل صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وولي عهده الأمين.