اعتادت كلما عجزت عن تفسير ما يجري حولها أن تغرق في نوم عميق يبعد روحها عن كل هذا العالم المزيف.

كان ذلك النوم بمثابة تحليق بالروح نحو بارئها القادر على حفظ كل ما تملكة تلك النفس من احساس وشغف وبراءة ومحبة لكل الأشياء الحقيقية التي تعجز أن تشتريها كل ماديات الحياة.

عند الفجر ايقظها نورس وكأنه يهمس لها بعذوبه؛ الحياة لا تخلو من المرارة لا تصدقي أهل اليابسة، صدقي البحر، فهو من حفظ الامنيات المفقودة والعهود التائهة، وهو من حفظ في قلبه اللؤلؤ والمرجان، ولم يمنعها بل منحها بسخاء، لذلك لم تنضب أبدًا.

شعرت بالسعادة تتسرب إلى أطراف قلبها بهدوء. هو احساس يشبه رؤيا وحي الفجر، حين زارتها روح والدها بعد وفاته بساعات لتشجيعها ومواساتها في حزنها الذي سكن روحها في تلك الليلة بسبب الفقد.

في ذلك الفجر اطل وجه والدها كصورة على ورقة خضراء كبيرة وقال لا تخافي ولا تحزني ستبقى روحي ترفرف حولك دائما رغم البعد، كوني قوية وامضي إلى حيث تريدين كوني أنت. اهجري الحزن وابتسمي. احفظيني بقلبك دائما. وكانت قد وفت بالوعد وللأبد.

حرك النورس جناحيه وحلق نحو أفق بعيد تاركا لها مساحة حرة لتقف عليها بثبات وتنظر نحو البحر بشغف يتجدد مع كل شروق شمس، ويمنحها قوة الواثق من النصر.

نظرت بعيون جديدة وكانها ترى البحر لآول مره، شعرت بأن روحها تبعث من جديد ولكن بشكل أكثر قوة.
تلك الروح رفضت الاستسلام للظروف واعتادت أن تشكل عالما يخصها وحدها.

جميل ذلك العالم بقدر إحساسها الصادق الخفي الذي يصعب تفسيره، فهو عصي على الفهم، مغلف بمعرفة ضمنية يمكن عكسها بالأفعال لا بالكلمات مخافة أن تبتر الحروف المزخرفة جزءا منه، دون أن تدرك بأنها تفعل.

التفاصيل والابحار في عمق الحياة وجوهرها الحر هو ما جعلها بارعة في صنع واقع جميل، بدقة وحكمة وهدوء، يخصها وحدها، ويصعب أقتحام خصوصيته، بالطرق التقليدية.

طريق واحد اختاره عقلها الذي كان. يصر على أن يتحكم بقلبها وكل مشاعرها دون أن يكون ذلك مشوب بالقسوة رغم الاتهامات الموجهة إليه، قد تكون تلك الروح رقيقة ولكن بطريقتها.

احبت أيّامها الهَادِئه، ليس بالضرورة أن تكون الأيام مُشعّه ومليئه بالتفَاصِيل، يكفي الهُدوء والسَلام وراحة البال دون قلق.

ذلك البحر يرفض أن يكون سوى فرح وعالم متكامل يبعث الروح بالزائرين له من جديد.

الحياة ليست مثالية؛ لكن يمكنك في نهاية كل يوم أن تجمع كل اللحظات السعيدة وتعرضها أمامك بحفاوة القانع، وتأمل الراضي، وسعادة المكتفي.

كن كما لم تكُون، لا كَمَا كُنْتِ.

ينبئني ضوء الفجر في النهار الخريفي أني رأيت حلمي يمشي إلى لغتي بهدوء، تذكرت محمود درويش حين قال "ويبقى يحملني كلامي كطائر متفرعا مني، ويبني عش رحلته أمامي".

واخيرا يقال؛ عندما تعطيك الحياة سببا لتيأس، أعطها ألف سبب للاستمرار، لا شيء أقوى من إرادة الإنسان على هذه الأرض.
‏aaltaher@aut. edu. jo