هنا،
أنا مخنوق
بطيب العيش الآمن،
والحب الأمين،
والعتق الممنون!
بالكاد أتنفس!
بالكاد أشتم عبير الأمل
في حدائق اليأس!
ولا يأس مع الحياة!
ولا حياة مع اليأس!
هكذا قالوا خريفا ما!
بل صدقنا!
وعشنا وشفنا!
وأتحسس صدري،
كأنه مقبوض عليه،
كأنه مجمرة،
كأنه مرهون لكل حسابات البشر!
كأن على أنفاسه تجثم
رائحة التراب وجنون المطر!
وهناك،
أنا مخنوق
بغازات الحاجة والفاقة والمهانة،
وكأنهم عقدوا العزم برباطة جأش
ألا أستنشق هواء الموت!
ألا آخذ نفس الوداع الأخير!
أنا مزكوم بزكام الفساد المزمن!
وفي صيدلية الشفاء الممكن،
بالقرب من الهيئة، واللجنة، والأمة،
أخبرني الصيدلي جهرا:
ما عندنا «جيم» الفوار النزيه؛
فهذا مفقود
في شتى أنحاء البلاد
لكن،
ليس من كل العباد!
إلا من ظلم ربي!
لربما هو ممنوع!
لربما هو مسموح!
أو مباح أو مكروه!
وما أدرانا؟
ومتى يحق لنا أن ندري؟
وهل يحق لنا أن ندري؟
لكن الغريب العجيب في الأمر
أن الصيدلي همس لي سرا:
عندنا «واو» الغوار الكريه!
وتشردقت!
وتقحقحت!
وكدت أختنق
لولاه طبطب على ظهري!
وفي هذا الجو الطوز
ليست ذرات الغبار
بأكثر من آهات المظلومين
المثقل بها صدر هذا البلد العزيز!
وهناك،
أنا مخنوق
بعطور العلامات التجارية!
فلئن جماركها عالية،
أسعارها غالية!
يمكن حتى لا نتعطر مثل البرجوازيين!
أو حتى نتعطر «تركيب»!
طيب وزكي ورخيص!
في متناول الجميع!
لكنه لا يدوم مع الجميع!
مثل القانون!
ناس وناس!
وهنا وهناك،
أنا مخنوق
برائحة الخبز المشروح الساخن
من ذاك الفرن المغمور الداكن
وبطني يؤلمني
من شدة الجوع
حتى بعت ابريق ماء
سرقته من مرحاض الدائرة
على سُنَّةِ الجوع الكافر
كي أشتم بثمنه
رائحة الخبز المشروح الساخن
من ذاك الفرن المهجور الداكن
ولما كتب الأستاذ على السبورة
ربيعا ما:
الحرية لا تمنح ولا تعطى،
الحرية تولد مع الإنسان،
ضحكنا عليه
وسخرنا منه
وهزئنا به
لأنهم علمونا
في التربية الوطنية
أن الحرية يكفلها الدستور!
ملاحظة:
النص الأدبي أعلاه ليس بشعر حر ولا بشعر عمودي؛ وتحديد جنسه أتركه للمختصين، ولو قالوا عنه بأنه لا يمت للأدب بصلة لما اعترضت.رائحة كريهة