تدبَّر في المصلحة الوطنية العليا
م. عبدالرحيم البقاعي
07-11-2021 10:31 AM
تتجلى مصالحنا الوطنية يوما بعد يوم في دفع عملية الإصلاح وترسيخ قيم النزاهة والالتزام بمبدأ سيادة القانون، فالتردد بتطبيق القانون بطريقة كفؤة وعادلة وشفافة ونزاهة يؤدي فيما يؤدي إلى ضياع الحقوق وانعدام الثقة بين المواطن والمسؤول وبين المواطن ومؤسسات الدولة ، ويكشف عن الفجوات التي ظهرت في الماضي بين السياسة الحكومية المقترحة والأداء الفعلي.
ولأن سيادة القانون هو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل؛ إضافة لكونه الأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات، لابد هنا من التذكير بالآثار المدمرة للواسطة والمحسوبية وقيم النزاهة والعدالة ، فهي لا تعيق تقدم البلاد فحسب بل تدمر مبدأ تكافؤ الفرص وقيم المواطنة الصالحة وتغتال عاطفة الفرد الحميدة تجاه وطنه.
جميعنا يعلم أنه لم يعد بمقدور الأردن تحمل انعدام الكفاءة والإنجاز الحقيقي في الكثير من المؤسسات الحكومية والهيئات المستقلة لا وبل بمؤسسات القطاع الخاص بسبب تفشي الواسطة والمحسوبية التي غالبا ما تعتمد بشكل كبير على العلاقات الجهوية والمناطقية والعلاقات الشخصية أو الرشى بأشكالها وأنواعها، وهي بذلك تتحمل أيضا وزر نشوء الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
لابد هنا من التذكير بأهمية إدخال الأتمتة والتكنولوجيا الحديثة والاسس الواضحة والشفافة في عملية اختيار وترقية الموظفين، وحتى قياس مدى أهلية العديد منهم رغم ظهور عجزهم بشكل واضح، وبذلك نسد باب فساد جلي تسبب بتآكل الثقة الاجتماعية، وأدى إلى تقييمات ضعيفة لأداء الحكومة واداء الموظف في القطاعين العام والخاص ، وأبعد المواطنين عن الحياة السياسية والعامة برمتها، وربما كان سببا رئيسا بل هو كذلك في تعطيل بعض المشاريع الاستثمارية وهروب الرساميل.
صحيح أن هروب الرساميل ينمو ويتفاقم في ظل الارتفاع الحاد في المديونية العامة الداخلية والخارجية للدول وتداعياتها السلبية، إلا أن الترهل الإداري والبرقراطية العجيبة التي تشهدها مؤسساتنا هو أحد أسبابها.
ورغم محافظة السياسة النقدية مثلا على حجم الودائع لتصل إلى 37.31 مليار دينار، إلا أنها لم تستطع الحفاظ على الرساميل من التاكل والهروب.
ولتفادي وتدارك هذا الحال فانه لا بد من استثمار الدعم الملكي للإصلاح لترجمة مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى تشريعات وتأكيد جلالته المستمر على ضرورة التقدم بالإصلاح الإداري إذ أنه لا يمكن تحقيق التقدم في الإصلاح الاقتصادي دون الإداري ، لان الأمن بمفهومه الشمولي الإنساني هو أحد الجوانب المحددة لأي مجتمع يقوم على سيادة القانون ومبادىء العدالة وهو وظيفة أساسية للدولة ، كما انه شرط مسبق لإعمال الحقوق والحريات التي يستهدف مبدأ سيادة القانون إلى تعزيزها ، لذلك لا بد من ترشيق التشريعات القضائية واستقرارها وتسريع عملية التقاضي إضافة إلى توظيف منظومة الذكاء الاصطناعي ككاميرات المراقبة واسعة الانتشار لتكون في خدمة الأمن والقضاء على غرار ما هو معمول به في دول عربية وأوروبية، للتخفيف من حالات العنف المرتفعة والحد حد من آثار الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة.
مازلنا حتى اللحظة بحاجة إلى قياس شفاف لمعرفة ان كان الناس يلجؤون إلى التخويف أو العنف لحل النزاعات المدنية فيما بينهم أو لطلب الإنصاف من الحكومة، او كانوا في مأمن من استقواء البعض تحت مسميات تسيء لمجتمعنا ونسيجه المتماسك ، لهذا فان التأخير في مواجهة تحدياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والادارية قد يقود إلى ما لا يحمد عقباه.
وفي مواجهة هذه التحديات هنالك العديد من الفرص لصياغة مستقبل الأردن كما يريده الحريصون عليه حيث تتساوى فيها الحقوق والواجبات وتتكافأ الفرص والتوزيع العادل للثروات، وهنا لا بد من التذكير بضرورة ضبط أوضاع المالية العامة لجعلها في مسار مستدام مع المبادرات الملكية.
أحسنت الحكومة بإعادة فيه تفعيل وزارة الاستثمار من أجل تحفيز الاستثمار الأجنبي كدافع رئيس لخلق وظائف تحتاج إليها المملكة بشدة لمواجهة معدل بطالة قياسي، والمهم اليوم تقنين وزارة الاستثمار -أي أن تؤلف -بموجب قانون وليس بقرار حكومي.
لدينا العديد من القطاعات الاستثمارية الواعدة والفرص الاستثمارية لتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية رائدة وجعلها منصة جاذبة ومحفزة للاستمرار والتوسع، لكن علينا البدء بترتيب أولويات الإجراءات، وهنا لا بد من إنشاء بيئة تمكينية جنبًا إلى جنب بمشاركة جميع الجهات لدراسة نقاط الضعف الهيكلية طويلة الأمد التي كانت سببا وحاضنة للترهل الإداري والبيروقراطية، ففي فكفكتها حل للعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
عديد من القضايا التي وردت في هذه المقالة، تناولتها الأوراق النقاشية لجلالة الملك وتحدث عنها جلالته مرات عدة من أجل مستقبل الديمقراطية في الأردن وخارطة الإصلاح التي ستقودنا إليه، لكن ماذا بعد؟ كيف يمكن استثمار الدعم الملكي المتواصل وكيف نؤطر الجهد الجماعي والعمل الجاد حتى نحقق نتائج ملموسة.
بترا