عام على تجربتي البرلمانية
النائب زينب البدول
07-11-2021 10:13 AM
بعد مضي عام واحد على انتخابات مجلس النواب التاسع عشر؛ قمت بعمل مراجعة لمجمل تجربتي البرلمانية والسياسية؛ بهدف الوقوف على طبيعتها ونطاقاتها وتحدياتها، وصولا لتقديم خبرة متواضعة، من سيدة بدأت مشوارها السياسي بدون أية خبرات سياسية كافية، وكيف لسيدة لم يسبق لها أن تخوض غمار السياسة والعمل العام؛ أن تؤدي مهامها وأن تخدم مجتمعها ووطنها بالشكل والمستوى المقبولين، كان التحدي هو أن تمارس عملك كبرلماني بشكل سليم، وأن تقوم في ذات الوقت ببناء قاعدة معرفية وممارسة سياسية كافية، وأن تسعى لإرضاء جمهورك، وأن تكون مؤثرا في المجتمع.
في البدايات كانت ثمة تحديات تتعلق بالبيئة الاجتماعية؛ حيث تفتقر مناطق البادية إلى الحراك السياسي والاجتماعي مقابل انشغال الناس بالمطالب الأساسية، فالتحديات التي تواجهها النساء في المجتمعات الاردنية كبيرة للغاية، لدرجة أنه من الصعب أن تصل المرأة إلى موقع صنع القرار بسبب الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي يدفع باتجاه تحديد أدوارها و نطاق حركتها؛ و لولا الجهود الملكية السامية التي دفعت بالمرأة لتكون بالصفوف الأمامية، فلن تتمكن المرأة من تحقيق تلك المرحلة.
ثمة رؤيتان من خلالها استطعت تحديد خطة طريق للبدء في العمل وتحديد الأولوية؛ التمكين السياسي أم التمكين الاقتصادي، أما الأخير فيحتاج الى معطيات تشريعية ومادية للوصول الى الحد الأدنى من تحقيق الحاجات الضرورية للمرأة، فيما يمكن للتمكين السياسي أن يحقق الحاجات الاستراتيجية لها، ومن خلاله يمكن تحقيق نتائج متقدمة على الصعيد الاقتصادي، ولكن ليس بالسهولة التي نتصور.
بدأت مشواري في مجلس النواب وسط واقع يقوم على تهميش المرأة وتنميط أدوارها، فأعداد النساء في المجلس محدودة ولا تشكل ورقة ضغط كافية لإنجاز التشريعات اللازمة التي من الممكن أن تحدث التغيير الإيجابي في واقع المرأة، ورغم قلة العدد فإن هذه القلة منقسمة على نفسها لأسباب مختلفة، ولذلك كانت التحديات تتوالد في سياقين؛ السياق الأول عدم القدرة على توحيد وجهات النظر لدى عضوات المجلس وتشكيل لوبي ضاغط، والسياق الثاني هو مدى القدرة على إنشاء تحالفات مع أعضاء المجلس الباقين، ولعل تلك التحديات تشكلت بسبب غياب الكتل الحزبية البرامجية؛ ما يضعف فرص النساء في تحديد خطابهن السياسي وأولوياتهن التشريعية.
البعد النظري لمجلس النواب وأدبياته شكل تحديا واضحا، إذ تحتاج البرلمانية الصاعدة من أوساط لا تمارس السياسة إلى ثقافة قانونية وسياسية كافية، وعمق في الرؤية لتحديد حقول الصراعات السياسية في الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، لكي تحدد موقعها من هذا الصراع بما يدعم فكرة تمكين المرأة في عالم الاقتصاد والسياسة، كانت صياغة خطاب سياسي اقتصادي يدعم تمكين المرأة ويسهم في تعزيز أدوارها معضلة بالنسبة لي، إذ نحتاج الى دراسة واقع التشريعات والواقع الاقتصادي والسياسي والمساحات التي تحتلها المرأة في ذلك الواقع، وقد حددت جزئيات يمكن البناء عليها أبرزها، قضايا إدماج المرأة في القطاعات الاقتصادية الحيوية (الطاقة، التعدين، الكهرباء، البترول، السياحة) تلك القطاعات يمكن في حال إعادة تكييف شروطها الاقتصادية وهياكلها الإدارية والمهنية أن تسمح للمرأة بالولوج والاستفادة بطرق آمنة؛ وأن تحقق الكثير من الفرص لديهن، يأتي ذلك في سياق عام هو إدماج النوع الاجتماعي في هياكل ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص، وأن يكون ذلك الإدماج فاعلا وعادلا ومحققا للمساواة.
يطلب الناخبون خدمات ولا يلتفتون الى التشريع والرقابة، تلك الحالة تشكلت عبر سنوات طويلة، ويواجه النائب تحدٍ في تلك المسألة إما أن يكون نائب وطن أو نائبا مناطقيا خدماتيا، ولكن السؤال المطروح ماذا لو تحول النائب إلى خدماتي؟ فهل سيتمكن من توفير الخدمات الفردية لقاعدته الانتخابية؟ إن ذلك مستحيل، ولذا فقد استطعت حسم الأمور، وتطلعت الى الواقع الوطني، فمن يخدم الوطن يخدم الجميع بلا استثناء، وبإمكان تشريع معين يحدد حقوق العاملات في القطاع الزراعي -على سبيل المثال- أن ينقذ آلاف العاملات وعشرات الآلاف من الأسر المرتبطة بهن، وأن يحسن من ظروف معيشتهن.
تكشف تجربتي الخاصة وهي تجربة محدودة ومخصوصة بظروفها؛ لكن يمكن البناء عليها والاستفادة منها، أن النظام الداخلي لمجلس النواب وسلسلة الإجراءات التشريعية والأزمنة المرتبطة بها؛ تحول دون قيام المجلس بمهماته الحقيقية بشكل فاعل، عدم ارتكاز المجلس على قواعد حزبية سياسية ذات برامج يجعل من المجلس أشبه بمقهى تدور فيه نقاشات القيل والقال، انخفاض مستوى الشراكة المجتمعية ما بين المجلس ومؤسسات المجتمع المدني والتشكيلات الاجتماعية بشكل عام، هيمنة السلطة التنفيذية، طريقة تعامل الإعلام مع المجلس.
تحتاج المرأة الأردنية إلى مزيد من الدعم للوصول إلى مواقع صنع القرار، كما تحتاج إلى مزيد من الوعي والخبرة لتمارس عملها السياسي بكل كفاءة، وهذا ما نتطلع إليه من خلال تطبيق بعض التوصيات التي خرجت بها لجنة تحديث المنظومة السياسية والتشريع لها، والتي تزيد من نسب مشاركة النساء في مختلف المواقع السياسية والإدارية.
الدستور