علموا الأبناء تاريخنا ونظام حكمنا
د. جواد العناني
07-11-2021 12:17 AM
لو وجَّهنا الاسئلة التالية إلى طلابنا في المدارس. فكم منهم يا ترى سيعرف الاجابة عليها؟ - هل الملك عبدالله الثاني من نَسْل الحسن أم الحسين بن علي بن أبي طالب؟ - من الذي أصبح من أجداد الملك عبدالله «أمير مكة وينبع» ومؤسس مُلك الأشراف في مكة؟ - من كان أول من سمي من أجداد الملك عبدالله الثاني بأمير مكة والحجاز؟ - من هو الذي كان من اجداد الملك عبدالله أول من لقب بـ «راعي الهدلا»؟ - مَن مِن اجداد الملك عبدالله من أطلق عليه «أمير مكة ملك الحجاز وملك العرب»؟ - لو عدنا بالنسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فماذا يكون ترتيب الملك عبدالله الثاني كحفيد للرسول «هل هو الحفيد الحادي والأربعون أم الثاني والأربعون أم الثالث والأربعون؟ هذة الأسئلة يمكن أن توجه إلى عدد كبير من الشباب. وظني أن معظمهم سيعود فوراً إلى «جوجل» ليستخرج المعلومات منها، ولكن كم واحد منهم يستطيع الاجابة على هذه الأسئلة من مكنوز معلوماته وذاكرته.
هنالك القليل من الشباب والفتيات من يعلم شَرَفَ النسب للقيادة الهاشمية، وهذا في تقديري أمر مؤسف. ولقد اغفلنا عن طلابنا في المدارس والجامعات المعلومات الموثقة عن تاريخ الأسرة الهاشمية التي نحظى بقيادتها للدولة الأردنية.
وأذكر أنني لما دخلت جامعة «كال بولي» بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة كان علي أخذ أربع مواد اساسية لا اتخرج بدونها بغض النظر عن التخصص الذي اخترته آنذاك.
ومع أنني كنت طالب هندسة مدنية، واجنبياً إلا أن ذلك لم يشفع لي بعدم أخذ تلك المواد والتي كانت مساقين في تاريخ الولايات المتحدة بدءاً من بداية الهجرة الأوروبية اليها وبناء المستوطنات، حتى حرب التحرير في عقد السبعينات من القرن الثامن عشر. وبعد ذلك تكرس المساق الثاني على تاريخ الولايات المتحدة آنذاك بدءاً من جورج واشنطن وانتهاء بالرئيس جون كينيدي الذي كان آخر رئيس منتخب آنذاك.
وأما المساقان الآخران، فهما الحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة، وأسسها، وعلاقة الحكومة الفدرالية بالحكومات المحلية في الولايات الخمسين، ودرسنا الدستور وتعديلاته، وحفظنا «بنود الاتفاق» أو «Articles of Agreements» التي أسست عليها الولايات المتحدة.
وأما المساق الرابع فكان عن حكومة ولاية كاليفورنيا، وتاريخها، وتاريخ الاسبان الذين حكموها، وكيف أُخِذْت من المكسيك، وصارت ولاية أميركية، والعلاقات المضطربة بين شمال الولاية (سان فرانسيسكو) وجنوب الولاية (لوس انجلوس).
ومع أنني لم أكن إلا واحداً من طالبين اجانب، إلا أن الأساتذة كانوا يقرعون الطلبة الأميركان لأننا كطالبين غير أميركيين كنا نحصل على أعلى العلامات. ولقد حفظت اسماء الولايات الخمسين، وعواصمها، وأهم القبائل الهندية التي تسكنها، وكذلك حفظت أسماء رؤساء الولايات المتحدة الخمسة وثلاثين الذين حكموها بمن فيهم كينيدي الرئيس الخامس والثلاثون. وعرفنا أهم الرؤساء، وانجازاتهم، والحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، بما في ذلك حرب الاستقلال، والحرب الأهلية والحرب الأميركية الفرنسية في حوض نهر سانت لورنس، والحرب الأميركية الاسبانية، وغيرها من الحروب.
أما نحن في الأردن، فإن تاريخنا الحديث يغيب عن اذهان معظم الطلاب، ولا يشكل جزءاً من معلوماتهم، ومصدراً من مصادر فخرهم. وهناك مواقف رائعة لا يمكن أن تنسى. وإذا وضعنا في اذهاننا أن احداً من الأنظمة العربية لم يتعرض للأذى وتشويه السمعة مثلما تعرض له الهاشميون، وأنه لا يوجد أسرة قدمت الشهداء مثلما قدم الهاشميون عبر تاريخهم. ولقد قام نفر من المؤرخين العرب بمباركة من الراحل الحسين بن طلال غفر الله له وباشراف مباشر من سمو الأمير الحسن بن طلال باعادة كتابة تاريخ بلاد الشام. ويشكر لعدد من العلماء الأردنيين دورهم في هذا المشروع الحيوي أمثال د. محمد عدنان البخيت العالم المؤرخ والموثق، والدكتور ناصر الدين الأسد الذي كان أول رئيس لمؤسسة آل البيت التي اطلقت ذلك المشروع، والدكتور المؤرخ العراقي عبدالعزيز الدوري. والدكتور المؤرخ علي المحافظة وغيرهم من المبدعين.
وكذلك لا ننسى أننا نحتفل الآن بمرور مائة عام على تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية انطلاقاً من عام 1921 حين أطلق الأردن امارة الشرق العربي، ثم امارة شرق الأردن عام 1928 بعد انشاء أول مجلس استشاري منتخب، ومن ثم المملكة الأردنية الهاشمية لما استقلت بعد الحرب العالمية الثانية عام 1946. وكان من المفروض أن نستثمر الفرصة لكتابة تاريخ الأردن. وكتابة نص للتربية الوطنية لتعريف الشباب بالمؤسسات الأردنية وكيف بُنيت، وبالدساتير الأردنية كيف وضعت، وبالقوانين الأردنية كيف صيغت ووفق عليها، وبالتحديات الجمّة المتتالية كيف ووجهت وحُوِل الكثير منها إلى فرص.
ولم تقتصر المواقف العظيمة للأردن على ما قام به ملوك وامراء بني هاشم، ولكن الرجال الذين ساندوهم كان لهم وقفات عظيمة كذلك. من منا ينسى موقف رؤساء الوزراء الكبار الذين قدموا حياتهم وهم يؤدون الواجب أمثال ابراهيم هاشم، وتوفيق أبو الهدى، وهزاع المجالي، ووصفي التل. ومن منا ينسى كم واحداً من هؤلاء قدم الكثير لوطنه ولكن أسيء فهمه. فوصفي التل لم يكن ضد الفلسطينيين، ولم تكن حرب أيلول حرباً أهلية، ولم يتردد توفيق أبو الهدى في الحفاظ على الدستور الأردني ليتولى جلالة الحسين العرش بعد أبيه المغفور له بإذن الله الملك طلال.
ولا انسى مواقف الرجال الذين خاضوا معركة البناء أمثال زيد الرفاعي، ومضر بدران. ولا ننسى رجالات الدولة الذين كان ولاؤهم للعرش مطلقاً بدون توقع لمكافآت أو جوائز، بل لايمانهم أن الهاشميين هم أفضل من يحكم هذا البلد.
وفي غياب فهم الجيل الجديد لتاريخهم وأسلوب الحكم وبناء المؤسسات، وللدم والعَرق الذي بذل لبناء هذا البلد، فإننا يجب ألا نلوم الشباب في ظل غياب المعلومة عنهم. لقد أصبح عدد رؤساء الولايات المتحدة الآن ستة وأربعين. والمطلوب من الطلاب في الولايات المتحدة أن يحفظوا أسماء 46 رئيساً آخرهم جو بايدن الرئيس السادس والأربعون، فكيف لا يطلب من شبابنا وشاباتنا أن يتذكروا أسماء الأسرة الهاشمية من نسل فاطمة بنت محمد وعددهم اثنان وأربعون؟ وإذا أردنا أن نعرف فيجب أن نعي أن راعي الهدلا والجد المباشر للأسرة المالكة الأردنية هو عون المكتوب اسمه على شعار المملكة الأردنية الهاشمية؟ والذي تنتهي أسماء ملوك بني هاشم وامرائهم أصحاب السمو الملكي به؟ الكثير منا يتذكر الشريف الحسين بن علي، ويتذكرون أنه الذي أطلق مشروع النهضة العربية، ولقب بملك العرب ورفض التنازل عن فلسطين، وانتهى به المطاف منفياً في جزيرة قبرص. ولم يغادرها إلا عندما أتى إلى القدس تلبية لأهلها عام 1924 لكي يقبل بالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها، ويدفع من حر ماله أربعة آلاف جنيه استرليني ذهباً لاعمار الاقصى وقبة الصخرة المشرفة. في ذلك العام اعلن انتهاء مراسلات الحسين/ مكماهون، وخسارة الحجاز ومكة من قبل الهاشميين.
وجاء الملك عبدالله الأول إلى الأردن بناء على دعوة كريمة من أهالي شرق الأردن خصوصاً أهل معان. ووصلها في مثل هذه الأيام قبل مائة عام وعام من أجل تحرير سوريا من الاستعمار الفرنسي بعد معركة ميسلون، ولكنه وجد أن الدولتين العظميين في العالم آنذاك المملكة المتحدة وفرنسا قد اتفقتا على تقسيم منطقة الهلال الخصيب بينهما، حيث آلت سوريا ولبنان للحكم الفرنسي، والعراق والأردن وكامل فلسطين تحت الاستعمار البريطاني. وتنصل الانجليز من التزامهم، ومنعوا الأمير عبدالله المؤسس من غزو الأراضي السورية بحجة أنَّ فرنسا التي سيحاربها الأمير عبدالله وجنده الأشاوس هي حليفة للمملكة المتحدة، وأن أي هجوم عليها سيعتبر هجوماً على بريطانيا العظمى. ولذلك قَبِلَ الأمير بفصل انتداب شرق الأردن عن الانتداب الفلسطيني. وقد بذل كل جهد لكي يقول إن هذا الفصل لم يَعْن انفصال الشعبين عن بعضهما البعض، بل بويع به عام 1948 ملكاً على فلسطين أملاً في استعادة الجزء الذي احتل منها ذلك العام، واعْتِرف فيه باسرائيل دولة من قبل الدول العظمى آنذاك.
على طلابنا أن يعرفوا أن الملك طلال بن عبدالله، ثاني الملوك، هو واضع الدستور الأردني الذي اعترف به في ذلك الوقت أنه من أكثر الدساتير في العالم عدلاً وانصافاً وديمقراطية. ولما تنازل الملك طلال عن المُلك لظروفه الصحية، كان الأمير الحسين طالباً في المدرسة العسكرية البريطانية ساندهيرست ولم يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً. وقد تمسك الرجال في الدولة آنذاك بالدستور وبنص المادة المتعلقة بانتقال المُلك من الأب الملك السابق إلى الابن الأكبر الملك اللاحق، وقد اقسم الملك الحسين الراحل اليمين الدستورية ملكاً عام 1953، وهو أقل من ثماني عشرة عاماً ميلادية. ورغم شبوبيته، فإنه أبدى براعة هائلة في ادارة دفة الحكم. وقد أمضى سبعة وأربعين عاماً يسوس البلاد ويدير دفة سفينتها وسط الأمواج المتلاطمة والصخور الصلدة حتى أخذها إلى بر النجاة. وكيف أنسى يوم توسيده الثرى بحضور حوالي مائة زعيم من العالم أتوا ليقدموا آيات الاحترام والتقدير لرجل عظيم مات وهو شاب لم يتجاوز الثالثة والستين إلا بثلاثة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً.
وكنت أنظر إلى الحاضرين فأرى منهم من كانوا ألد الأعداء، فهنا وقف عزت ابراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي صدام حسين، وعلى الجانب الآخر وقف الشيخ سعد الصباح نائب أمير الكويت انئذ، وهنا كان السيد خالد مشعل أحد قادة حماس وهنالك بنجامين نيتنياهو الذي حاول قتله في عمّان. وهنا جاء الرئيس الروسي آنذاك يلتسن، في الوقت الذي أتى فيه أربعة رؤساء اميركيين لحضور الجنازة. لقد كان الحسين العظيم يعرف الجميع، ويتعامل مع الجميع.
وها هو سبط الحسين، أبو الحسين، عبدالله الثاني الذي اكتفى في عهد أبيه بالعمل في الجيش حتى حقق أعلى الانجازات فيه قائداً للقوات الخاصة، وبقي خلف الأضواء يعمل على نفسه ليكون الملك القادر على مواجهة الصعاب، والتسلسل بين أخاديد التحديات الصعبة. ولقد مضى أكثر من 22 عاماً على توليه العرش ونحن نرى على تضاريس وجهه الصبوح ما يكابده من عوادي الدهر وتحديات الأعداء وكيد الأصدقاء. ولكنه يمضي غير آبه بتلك الأمور متقيداً بما تعلمه من أهله الأشراف بخلقهم وصبرهم وسعة حيلتهم وقدرتهم على ضبط النفس أن يصفح الصفح الجميل متخذاً من رسول الله قدوته.
إذا عرفنا الدماء التي تجري في عروقهم، لعرفنا أنهم أصحاب الأصل الرفيع والنسب المشرف كابراً عن كابر. وهم رمز الوطن وعدته. وإذا لم نحترمهم ونقدرهم ونحبهم فمعنى هذا أننا لا نحب انفسنا ولا نحترم ذاتنا ولا نقدر من أين نحن أتينا.
لذلك، فإن مناسبة المئوية تستدعي منا أن نسد الفراغ، فآلاف الرسائل والهجومات على البلد ورموزه والاستجابه من البعض المغرر بهم عبر وسائل الاعلام الالكترونية تبلغنا بمدى حاجتنا لتدريس تاريخ هذا البلد، ورموزه، وقيادته، ومؤسساته حتى لا تبقى الأجيال الصاعدة عمياء عن احترام بلدها وما أنجزه، وما يمثله من تاريخ ناصع نحت بالاظافر من الصخور، وبني بدم الأبطال، واستمر بهمة القيادة القسعاء والشعب المعطاء والايمان المطلق بالله ومن بعده الوطن والملك.
الرأي