عبأ الفتية الفرح الجامح في الحارات. لقد أينعت غراس المحاريث ثمارا يانعة، ووجد الناس ميادين للسرور المخبأ في النفوس.
اتسع ثقب الرياضة الشحيح ليستحيل شبابيك للأمل وأبواب للطموح. لم يكن الفتية في الرمثا بحاجة لسكنى عمان كي يقولوا لنا أنهم نبت الخصوبة في سهول حوران وأنهم غدف ترابها الخصب ومنهم تتشكل طلائع البناة.
رضعوا معا حليب قوميتهم ووطنيتهم من أثداء السهول وصدور الجبال قاتلوا في ميادين تضيق فيها فرص التنمية ويعلو صوت الفقر والبطالة، فانتصروا بالهمة العالية والعزم المبين.
هنا في لندن، ترد الفيديوهات للحشود المغتبطة في الشمال. هل كان الناس بحاجة لفوز ببطولة محلية كي ينثروا كل هذا الفرح؟ الأمر يستحق المراجعة والدراسة، وربما تكون مفاتيح لأسباب اقتلاع الكآبة على الوجوه وأشتال للنشوة والإبتهاج.
لست متابعا جيدا للرياضة. لكن محمد صلاح يفعل الأعاجيب هنا في ليفربول وله مريدون وأحباب على نطاق واسع في الجمهور الإنجليزي النزق.
هل يمكن للرياضة أن تفعل ما تعجز عنه السياسة والكياسة؟ ربما. إنها معرفة قديمة جديدة نحبها مرغمون.
لا أنظر للأمر من ثقب الرياضة الضيّق. لا تعني لي الرياضة في الواقع سوى أنها وسيلة للتقارب وتلاقح الثقافات، ومؤكد أننا لسنا بحاجة إلى مباراة في كرة القدم، كي نعمّق حجم التشظي الذي يعتري حال الأمة الواهن، لكننا أمام اختبار حقيقي لتوظيف هذا الفرح في تغيير قيم تمكين الشباب وإطلاق إبداعهم وتكريس كسر الإحتكار الذي تختص به العاصمة، حيث تمتلىء الأطراف بالمبدعين، وحيث يقفون في طوابير انتظار التفاتات حكومية لرفدهم ومعاضدتهم، ولإرشادهم نحو سبل الحياة القويمة الممكنة في التعليم والزراعة وغيرها.
نحن أمام استحقاق بالإنتباه نحو المحافظات وتنميتها. في كرة القدم وفي سائر المهارات في المعرفة والتميز وفي توفير فرص العمل اللائق. في إنفاذ التوجيهات الملكية للحكومات، في توجيه الاستثمار لتوليد فرص العمل، في منحها معدلا مقبولا من مكاسب التنمية.
كم من أطباء ومهندسين وعلماء خرجوا من صحاري التيه وقفار الفقر فلمعوا نجوما في الوطن والعالم، وكم من مبدعين طوى إبداعهم انحسار الإلتفاتات ومركزية الرعاية؟
الكأس في الرمثا. هذا من شأن الذين أكلوا خبزا من قمح عمراوة وحوران وأثبتوا أقدامهم في سجل الطامحين.
مبارك للشمال، طلع الوطن النضيد جنده وحملة بنادقه ومناجله، ولعل هذا الفرح، مفتاح التنمية في محافظاتنا على امتدادها الكبير.