الأزمة اللبنانية الخليجية
د.محمد المومني
06-11-2021 12:12 AM
الأزمة الأخيرة بين لبنان ودول الخليج مثال جديد على مدى حساسية الكلمة والتصريح السياسي في الشرق الأوسط والعالم العربي، وإلى أي حد قد يؤدي ذلك الى المساس بمصالح الدول، وكيف أن الشرق الأوسط كان وما يزال قابلا للاشتعال بسبب التصريحات والمناوشات الإعلامية التي تستخدم فعليا كأداة أساسية في العلاقات بين الدول في المنطقة. تصريحات وزير في الحكومة اللبنانية أدت الى استدعاء وطرد سفراء من دول خليجية عدة، وإيقاف استيراد الصادرات اللبنانية في وقت لبنان أحوج ما يكون لأي قرار أو إسناد لأوضاعه الاقتصادية الصعبة. أزمة لبنان كان في غنى عنها، فهدف السياسة والحكم جلب الأمن والاستقرار، والعمل على تنمية رفاه وازدهار المجتمعات، وأي عمل يمس بذلك يعد ضارا ومعاديا لمصالح الدول والناس.
في لبنان، المواقف والتصريحات تكون في عديد من الأحيان للأسف بناء على الانتماءات الحزبية والطائفية، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العليا. لا يوجد حب وكره في إدارة الدول وعلاقاتها مع العالم، والأصل أن المصالح هي التي يجب أن تقود القرار والتصريح، ولكن في لبنان الشقيق الجريح هي ليست كذلك، وكأن المقصود من المواقف والتصريحات تقديم أوراق اعتماد لفئة أو حزب أو طائفة أو تنظيم.
عديدة هي التصريحات الشرق أوسطية التي نالت من استقرار الدول وازدهارها. حرب سورية الأهلية الدموية كان أحد أهم مسبباتها خطاب سورية الاستفزازي آنذاك، الذي استعدى كثيرا من الدول فاصطفت ضد سورية. من منا لا يتذكر تصريح “أشباه الرجال” الذي كان غاية في الاستفزاز في وقت كانت سورية تحتاج لأي صديق ممكن. تصريحات القذافي الشهيرة كانت أيضا سببا في جمع الكثير من الأعداء ضده.
في الشرق الأوسط والعالم العربي الكلمة ذات ثقل وأثر أكبر بكثير مما يعتقد أو قد يقبل كثيرون. الحال ليس كذلك في باقي دول العالم الغربية والآسيوية، فهناك يتم التعامل مع هكذا أمور بنصاب سياسي مختلف.
نحن في الأردن ندرك حساسية الكلمة السياسية، ونعي أهمية الخطاب الوازن العقلاني المعتدل، لذلك كان من أهم ميزات الحكم لدينا اعتدال الكلمة والتصريح، والتأكد أنه لا يضر البلد بل يخدم مصالح الدولة العليا. حتى عندما كان يستفزنا الآخرون، كنا محافظين على اتزاننا ونتعامل ببراغماتية، ولا نقول إلا ما يخدم المصلحة العليا للدولة حتى لو كان ذلك أمرا غير شعبوي داخليا. وأحيانا نتخذ إجراءات قانونية وقضائية إذا ما أطلق البعض تصريحات ضد الأشقاء قد تضر بمصالح البلد، ونذكر كيف تم التعامل مع قيادي إسلامي مست تصريحاته دولة شقيقة لأن ذلك اعتبر مساسا بمصالح الدولة والأردنيين.
جاء وقتها مناصرون لمن تم اتخاذ إجراءات قانونية بحقه مقارنين كيف أن انتقادات لدول أخرى مثل تركيا وأميركا عمل يمارس يوميا دون إجراءات قانونية. وكأن هؤلاء يعيشون في المريخ!… نعم يمكن انتقاد دول أخرى لكن ليس تلك التي تعد ذلك مساسا بها. لذا، فعلى الجميع، خاصة القوى الداعية للحرية في التعبير، أن يدركوا أن بلدهم يقع في الشرق الأوسط حيث للكلمة أثر خاص مختلف عن باقي بقاع العالم.
(الغد)