مقدمة: إبتداء ولغاية الربط بين المقدمات ونتائجها التي نشطت كثيرا في التحقق إسرائيليا على الأرض خلال العقد الأخير تحديدا, فلا بد من التعرف وبإيجاز, على فلسفة "الحركة الصهيونية" وكيف تطورت تاريخيا.
تقوم فلسفة هذه الحركة قبل وحتى بعد أن ضمتها تحت جناحها عائلة "روتشيلد اليهودية الممتدة" والتي ظهرت بذرتها الأولى في ألمانيا ثم إنتشرت في سائر أوروبا تدريجيا وفي أميركا ودول كثيرة غيرها لاحقا, على أربعة "مقومات" رئيسية متشابكة, بهدف تحقيق الحلم "المقدس"!, بإقامة دولة إسرائيل الكبرى بين نهري الفرات والنيل, وعلى أنقاض عرب الشرق جميعا وصولا إلى الجزيرة العربية بأكملها.
هذه المقومات هي : المال, الإعلام, الجنس, والسحر. ولكي تعمل هذه المقومات معا بتناسق يحقق المطلوب, فلا بد من بناء منظومة أمنية كبرى ذات أذرع طولى في مناطق الإستهداف كلها, وهو ما حصل فعلا وبتدرج بدأ بدائيا وفقا لمجريات التطور التقني, ومن خلال الإعتماد على العنصر البشري, ثم تطورت الأمور تقنيا بإدخال أعقد منتجات التكنولوجيا الحديثة في عمليات التجسس التي جعلت جميع مناطق الإستهداف مكشوفة تماما تحت رقابة "الموساد" وحتى اللحظات.
وبالطبع لا يمكن الإستغناء عن العنصر البشري, ولهذا فقد "أسقطت" إسرائيل في حبائل موسادها وبإستخدام المال والجنس تحديدا خلال السبعينات وما بعدها وبإعتراف غير رسمي من ناشطيها, أكثر من 20 ألف عميل معظمهم منا نحن العرب وزعتهم في جميع أقطار العرب, منهم من أصبحوا رجال مال وأعمال, ومنهم من تسنموا مناصب كبيرة بحسب إعتراف أولئك النشطاء.
تمكنت الحركة الصهيونية وعبر الإمبراطورية المالية لعائلة روتشيلد, من بسط نفوذها السياسي على معظم دوائر صنع القرار في أوروبا إبتداء, ثم في أميركا لاحقا وحتى في معظم الدول الفقيرة جدا في إفريقيا وأميركا اللاتينية وغيرها من دول العالم.
ببساطة, العرب جميعا هم اليوم تحت بصر وسمع ومراقبة "إمبراطورية أمنية تجسسية إسرائيلية لا مثيل لها على الكوكب", توظف 24 ساعة جيشا من العملاء الذين لا حول لهم ولا قوة, ولا مناص أمامهم من خدمة هذه الإمبراطورية الكبرى, وإلا فإن مصيرهم إما التصفية أو الفضيحة, وليس ببعيد عنا كيف تمكنت إسرائيل من تصفية معظم قادة النضال الفلسطيني الحقيقيين سواء داخل فلسطين أو خارجها, وكيف أطفأت شعلة إنتفاضة الشعب الفلسطيني ضدها, لا بل وتعدت ذلك إلى تصفية كل من ينازع أو يعاند مخططها الكبير من العرب وغير العرب.
نذهب الآن إلى الأردن: وهنا أعود ثانية وربما ثالثة إلى القول "أن من لا يرى بالبصيرة هو أعمى البصر".
والبصيرة تقول ما يلي: تدرك إسرائيل وأعوانها وعملاؤها جيدا, أن الجدار الفولاذي الصلب الذي حمى الأردن وأخرجه سالما وصامدا وقويا يصعب إختراقه حتى الآن, هو "العلاقة الوجدانية التاريخية الراسخة بين الشعب الأردني بكل مكوناته وبالذات القبائل والعائلات القوية ذات النفوذ الإجتماعي ورجال الدولة المحيطين بالعرش إلى جانب الجيش والقوى الأمنية من جهة, وبين العرش الهاشمي من جهة ثانية".
ولهذا, سخرت الإمبراطورية الأمنية الصهيونية, أدواتها المادية وعناصرها البشرية من العملاء سواء منهم الطامحون وهم قلة, أو المتورطون المغلوبون على أمرهم وهم كثرة, لإحداث شرخ في هذه العلاقة التاريخية, وفتح نافذة مطلوبة للإختراق, والهدف كما تعتقد, هو وضع الأردن بالذات تحت رحمة التهديد الإسرائيلي إن هو لم يستجب, أو هو عاند المشروع الإستيطاني الكبير ليس في فلسطين فقط, وإنما في سائر مناطق الإستهداف العربية.
وهنا يبقى السؤال, ما هي وسائل تحقيق هذا الهدف الصهيوني الخطير؟.
الجواب:
أولا: إضعاف الأردن إقتصاديا لا بل وإفقاره لخلق موجة تذمر وشكوى شعبية, وأجزم "والله أعلم", أن إقناع الدولة بأن تحقيق تطلعها لتحسين مستوى عيش الشعب, يتأتى من خلال "الخصخصة" وبيع موارد الدولة وأصولها التي كانت تشكل "حنفيات" تدلف يوميا أموالا في مالية الدولة وتوفر لها مصادر دخل للإنفاق على متطلبات الشعب والدولة, كان أحد أهم وسائل تحقيق ذلك الهدف اللئيم, لإجبار الحكومات المتعاقبة على تعويض الفاقد من جيوب مواطنيها الخاوية أصلا, وبالتالي تأليب الشعب على الدولة وحكوماتها وسائر مؤسساتها, وضرب الثقة التي كانت متبادلة وبقوة بين الناس ودولتهم, وإيصالهم جراء الفقر والبطالة إلى حافة "الكفر" حتى بالوطن, وكل من وما فيه, والتفكير الجاد بالهجرة بحثا عن عيش كريم.
ثانيا: تبني فكرة الإنتقال بالدولة من دولة ريعية إلى دولة الإنتاج, كفكرة نظرية تدرس في علم الإقتصاد, لكن ظاهرها في الحالة الأردنية حق, وباطنها باطل, فالهدف هو إفقار "الطبقة الوسطى" وهي العمود الفقري للدولة وتشكل الأغلبية الساحقة من الشعب, لا بل وإنهاء وجودها أصلا, وهي الطبقة التي تضم محدودي الدخل من مستخدمي الدولة في القطاعين العام والخاص إلى جانب الجيش والقوى الأمنية وممتهني الحرف والمهن البسيطة التي تستر حياتهم ومعيشتهم يوما بيوم.
ثالثا: طرح فكرة حتمية التجديد في القيادات الإدارية والسياسية والإقتصادية للدولة, على قاعدة تشويه صورة القيادات السابقة التي بنت الإدارة الأردنية الفريدة في تميزها في المنطقة, والتي أسهمت في بناء إدارات عربية في دول شقيقة مدنيا وعسكريا وبذات فرادة التميز, والإستعاضة عنها بقيادات بديلة مؤهلها الوحيد هو الشهادات الجامعية من دول غربية, فيما هي تفتقر "إلا ما ندر" إلى المؤهلات القيادية والخبرات المطلوبة في مجال العمل العام, وشمل ذلك حتى إختيار الوزراء في كثير من الحالات, عندما جرى إستبعاد السياسيين الحقيقيين لمصلحة التكنوقراط وجمهور الليبراليين الذين يدركون أن مجالس الوزراء في كل الكوكب, هي مجالس سياسية ترسم سياسات عليا وتعهد إلى التقنيين والإداريين والمستشاريين بتنفيذها برامج عمل على أرض الواقع.
رابعا : بعد إفقار الدولة والشعب وتخريب الإدارة ورفع المديونية بنسب عالية وظهور التزايد المتسارع في نسب البطالة والفساد وتهيئة الشعب للنقمة على الدولة, جاء دور الإعلام الموجه خارجيا على الأكثر وداخليا بزخم أقل, للعب على كل وتر مستفز لهذه النقمة الشعبية المبررة عمليا, كهدف يباعد المسافات بين المواطنين ودولتهم, وتسخير كل قلم مأجور للعزف على هذا الوتر, وغيره من أوتار السياسة والإقتصاد والإجتماع وسوى ذلك, وبدهاء ذكي جدا يصطف مرة إلى جانب الشعب, ومرة إلى جانب الحكومات, مع الإستعانة بطوفان الإشاعات التي تضخم الخطأ وتحجم الصح, وعلى نحو يظهر الدولة الأردنية على قدر عال من الهشاشة.
خامسا : بعد تهيئة كل ما سبق وقتل روح الإنتماء الوطني في نفوس الجيل, جاء دور الضرب على وتر إحداث الفتن, سواء بين الأردنيين, أو بين الدولة والشعب, أو بين الأردن وحلفائه التاريخيين من الأشقاء العرب, ومنهم من هو منخدع بالصلف والمخطط الصهيوني الذي لن يسلم منه عربي في سائر أقطار العرب, إذا ما إستمر الحال على ما هو عليه.
سادسا: يطول الكلام والشواهد على صدقيته لا تخفى على صاحب بصيرة وبصر. ولهذا, سأختصر وأجيب عن السؤال عنوان هذا المقال بالتالي:
نعم وبالفم الملآن, الأردن مطلوب مطلوب مطلوب، الصهاينة اليوم يستخدمون سقط المتاع ورويبضات العصر للتآمر على الأردن, حتى وهم يعرفون جيدا أنهم مأجورون ليس لهم في بلدنا مرقد "كلب" من حيث النفوذ والحضور, فهم يستقبلونهم وينظمون لهم ندوات ويفتحون لهم الشاشات وينذروننا بأنهم قادمون لحكمنا بدعم منهم ومن سواهم من الواهمين.
قبل أن أغادر .. عشنا مائة عام وسط النار على على حوافها, مملكة أردنية هاشمية عنها لا نتحول, واليوم وإذ نبدأ مئويتنا الثانية, نحن الشعب متشبثون ببلدنا مملكة أردنية هاشمية عنها لا نحيد, والمطلوب وبكل الصراحة والوضوح, هو أن نعي أن مملكتنا مطلوبة صهيونيا, والأعوان المأجورون جساسو النبض كثر وهم على رؤوس الأشهاد وتحت الشمس, فما هو المطلوب منا كي لا نضطر وفجأة لمواجهة المؤامرة بين أحضاننا؟. أنا أدري ما المطلوب, وكل وطني حر شريف منصف يدري, والبقية عند أصحاب القرار الأعلى.
اللهم رد كيد المتآمرين عن بلدنا وعن فلسطين وقضيتها, اللهم فأشهد, وأنت سبحانك وحدك من وراء قصدي.