الإصلاح الحقيقي ومسيرة التربية والتعليم
فيصل تايه
04-11-2021 06:59 PM
انتظر الاردنيون بكافة اطيافهم ما خرجت به اللجنة الملكية لإصلاح المنظومة السياسية من صيغ واقعية تعزز مسيرة الإصلاح ، وكما ارادها جلاله الملك باعتماد الأوراق النقاشية الملكية كخريطة طريق للدولة ، ذلك باعتبار أن عملية الإصلاح تعّد عملية شمولية مستمرة وهدفًا متجددًا مرتبطة بحاجات الفرد والمجتمع ، فمجالاتها واسعة ومتعددة متعلقة بمختلف مناحي الحياة ، والمهم هو تحقيق الانتماء الوطني والإصلاح السلوكي والقيمي وتلبية حاجات الفرد والمجتمع ، ما يتطلب إرادة سياسية ومشاركة مجتمعية واسعة .
اننا نعي تماماً أن عملية الإصلاح الشامل في المجتمعات تتطلب ان تبدأ بإصلاح منظومة التربية والتعليم ، فالتعليم محور عملية الإصلاح برمتها ، ما يفرض بالضرورة ان يتحول ذلك إلى مشروع وطني عام ، وعنوان رئيسي لعملية الإصلاح في الأردن ، ذلك كجزء من عملية الاصلاح الشامل ، وصولاً لتحسين مخرجات ومتطلبات ونواتج نظامنا التعليمي وفق ثوابته ومرجعياته بما يتوافق ومتطلبات التنمية والحداثة ومواكبة المستجدات في كافة المجالات ، ما يتطلب أن تنطلق عملية الإصلاح الحقيقي من دراسة الواقع وتشخيصه "بعمق" لمعرفة الأسباب والدوافع والمشكلات وطريقة معالجتها وفق "منهج علمي" بالاستعانة بالكوادر البشرية المؤهلة وذات الخبرة الفنية والتربوية ، تحقيقاً لرؤية صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم إلى تطوير الموارد البشرية باعتباره محور التنمية وعمادها ، حيث يشكل التعليم أساسًا لذلك .
اننا ومنذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية قبل خمس سنوات ، والتي تبنتها الحكومات المتعاقبة وقدمت الدعم اللازم لها ، والتي حظيت بعناية مباشرة وحثيثة من جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا ، فقد تولت وزارة التربية والتعليم العمل على تعديل التشريعات اللازمة لتتوائم مع متطلبات الإصلاح المنشود ، لكن التحدي الأكبر في هذا المجال كان إيجاد صلة منهجية بين امتحان الثانوية العامة والتعليم الجامعي ، لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل بتوطين المسارات المهنية والتقنية على المستويين الجامعي والمتوسط بدلا من المسارات الحالية التي تتعارض ومتطلبات السوق الأردني وحاجات الأردن من الكفاءات المدربة ، وهو المسار الوحيد الكفيل بتخفيض معدلات البطالة ، وإنقاذ الميزة التنافسية للأردن كمصدر للموارد البشرية ، وهي الميزة المهددة بالتناقص حاليا.
اننا وضمن هذه الظروف مقبلون على منحى يحتاج الى استشراف المستقبل ، والدفع باتجاه مسيرة تربوية تحمل الخير والطمأنينة على مستقبل الأجيال ، فمسيرتنا بحاجة إلى إرادة صلبة وعزيمة قوية ، وتواصلا عملياً مع الجهود البناءة للخيرين من أبناء هذا البلد الاشم ، من أجل حسن العطاء والمثابرة على تحقيق الانجازات ، ومباركة ومساندة ابناء الوطن لما هو آت ، بما يعزز الحس الوطني الصادق ، متمسكين بثوابتنا الوطنية الراسخة ، ولعل القضايا المتعلقة بالتربية والتعليم ، اهم الامور التي يجب ان نبحثها بكل همة ومسؤولية ، فقد اصبحنا في وضع لا يُحسد ، فنتجاهل ما يعانيه من متاعب واختلالات ، خاصة ونحن نعيش تبعات جائحة عالمية مستمرة ما زالت آثارها تنعكس على مختلف مناحي الحياة .
ان مؤسسة التعليم بحاجة ماسة باستمرار للتجديد والتحديث والتزود بكل الوسائل والأنظمة والكفاءات البشرية الميدانية والقيادات الكفؤة التي تساعدها على تحقيق الجودة في الأداء والمخرجات عبر تجنيد الإمكانيات للنهوض بالتربية والتعليم ، وإخراج تلك المؤسسة المهمّة من دائرة التجاذبات حتى تبقى الأجيال متوهّجة العقل والتفكير والضمير ، سليمة القيم والسلوك والتعايش ، لذلك فنحن بحاجة الى تحسين مدخلات ومخرجات نظامنا التعليمي ، مع تنامي وتيرة التفاعل الإيجابي مع دعوات الإصلاح المنهجي والمؤسسي للتربية والتعليم ، ما يحتاج إلى البدء بحوارات معمقة تبدأ بالحاجة الى أن نباشر الإصلاح الحقيقي في مراجعة نظام التربية والتعليم نفسه ، وان نعترف إن مؤسسة التربية والتعليم أول المؤسسات السيادية في قائمة الوطن باعتبارها بوابة الأمن والتغيير الاجتماعي ، كما وعلينا أن نعيد إلى المدرسة روحها والقها واعتبارها ومقوّمات نجاحها ، كما ولابد من إعادة التقييم والتأهيل للقيادات التربوية ، فلنكن على قدر المسؤولية في دعم مؤسسة التربية والتعليم وتطوير كوادرها ومناهجها وبرامجها ووسائل التعليم وإعادتها إلى المستوى المطلوب ، تلك هي مهمتنا التربوية الكبرى إن أردنا أن نخطو أول خطوة في بناء الوطن الذي نسعى إليه بصلاح ونهضة وتطوُّر لنظام التربية والتعليم وتحريره مما علق به على مدى سنوات خلت .
اننا وفي مسعانا الى عملية اصلاح حقيقي يجب ان نتطلع إلى الارتقاء بالمستوى الإداري والفني في العمل التربوي ، في اننا مطالبون اليوم بالتحرر من الأداء التقليدي النمطي ، كما واننا بحاجة فعلية الى نقلة نوعية في العمل ، تقوم على التحديث والابداع ، وهو أمر يستوجب المبادرة الى مراجعة بعض القوانين والتشريعات والنظم الاجـــرائية وتنقيتها وتطويرها وتفعيلها بما يلــــبي الغايات المــأمولة في القضاء على مظـــاهر الخلل الوظيفي والروتـــين الاداري ، الامر الذي يستوجب – وعلى جميع المستويات الادارية – التزاما جادا بالواجبات ومتطلباتها من مختلف القيادات التربوية ، والقضاء على المركزية وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب ، بما يؤدي الى الارتقاء بالعمل وتحــسينه ، وانجاز مصالح قطاعنا التربوي العتيد بكل همة ومسؤولية ، هـــذا وكما اننا مدعوون ايضا الى تطوير آليات العمل الإعلامي على نحو احترافي متمــــرس ، وتعزيز دور بواباتنا التربوية الاعلامية كمـــنبر مؤتمن على رسالته الإعلامية التربوية المسؤولة في صيانة المصلحة الوطنية العليا ، وتعظيم الانجازات واطلاع الرأي العام على المنجزات ، فنحن مقبلون على استشراف مستقبل زاهر بإذن الله ، استرشاداً بتوجيهات سيدنا حضرة صاحب الجلالة .
وفق ما تقدم ، فان الدولة وضمن توجهاتها الإصلاحية للمرحلة القادمة وبعد أن تسلم صاحب الجلالة تقرير اللجنة الملكيه للإصلاح في ختام أعمالها ، والتي تعتبر مصفوفة مرجعية ترسم طريق المستقبل ، والمتضمن ايلاء المؤسسة التربوية ما تستحقه من الدعم والمساندة ، حيث ان ذلك يعتبر من اولياتها ، وحسب ما جاء على لسان دولة الدكتور بشر الخصاونة رئيس الوزراء في اكثر من مناسبة ، وبذلك فان الخطوات الجادة المنوي اتخاذها من لدن معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وجيه عويس "بحماسة" من خلال تصريحاته ومنذ توليه حقيبة التربية والتعليم وضمن ما سبق وتحدثت ، لهي خطوات حكيمة ستدفع الى انتهاج سياسة تربوية اصلاحية شاملة ، ذلك بدعم قرارات مجلس التربية والتعليم المتعلقة بتطوير التعليم المهني والتي سبق وانبثق عنها "لجنة تطوير التعليم المهني" حيث انيطت باللجنة مهمة إجراء مراجعة شاملة لمنظومة التعليم المهني الثانوي من حيث بيان نقاط القوة والضعف، والفرص، والمخاطر، والتقدم بمقترحات تعنى بتحقيق الرؤية الملكية التي تهدف إلى تطوير هذا النوع من التعليم، والاسترشاد بالتوصيات الواردة في الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ، إضافة إلى الإفادة من التجارب الدولية الناجحة ، وفق ما يحقق الاستجابة لمتطلبات العمل الأردني والإقليمي ، وصولا إلى منظومة متكاملة تتميز بالكفاءة والفعالية والانسجام مع الإطار الوطني للمؤهلات ، اضافة لبحث السبل الكفيلة بتطوير امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ، بانتظار تقرير اللجنة المنبثقة من الخبراء التربويين المعنية في عملية تطوير الامتحان العام لشهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) ، فذلك خطوة في الطريق القويم ، لما لذلك من ضرورية لتتخذ من خلالها اجراءات فعالة للتطوير ، اضافة لضرورة الحاجة لتطوير الخطط الدراسية والمناهج والكتب المدرسية وتدريب المعلمين باعتباره متطلبا أساسيا لعمليات تطوير التقويم واستراتيجياته وأدواته ، بالإضافة الى اهمية أيجاد تشريعات تلزم الجامعات بإعادة النظر في سياسات وشروط القبول الجامعي .
وأخيراً ، فانا اعي تماما ان عقلية الوزارة التطويرية التجديدية والتي يتبناها وزير التربية وقيادات وكوادر الوزارة في الميدان والمركز تتجه نحو تبنى مفهوم جديد يتجاوز التراكمَ إلى الفاعلية ، والاستيعابَ إلى الإبداع والإخصاب ، ويسمح بقيام تفاعل وعلاقة جدلية بقدر الإنجاز ، والتحرر من التخوفات وممارسة الإبداع الوظيفي ، ولن يتحقق ذلك إلا بقوة نظامنا الاداري الذي نحتاج والذي يجب أن يشكل وسيلة ضرورية للتأثير الفعّال ، بل ويجب أن يعدّل العلاقات التقليدية الجامدة لتسود علاقاتُ التفاعل الإيجابي بين كافة الفاعلين التربويين ، ليتعدّى ذلك ليعني انخراطَ الجميع في ذلك ، وبذلك يمكن تبنّي نهج إبداعي يعتمد كبؤرة مركزية للعمل ، لأنه السبيل الوحيد لتحرير الطاقات ، وإكساب المزيد من الاهتمام برسالة الأمة في الوحدة والحرية والحياة الفضلى .
والله ولي التوفيق ..