تركيا وايران والادوار المختلفة
د. بلال السكارنه العبادي
06-07-2010 12:28 PM
إن المتابع للمشهد السياسي والمواقف المترجحه ما بين تركيا وايران في الفترات والسنوات السابقة يرى الاختلاف فيما بينهما على الساحة الاسلامية والعربية خاصة ان هاتين الدولتين تعتبر من الدول الاسلامية المؤثره والضاغطة احياناً على الراي العالمي والاقليمي ، وعلى الرغم من النظرة الدولية المختلفة نحوهما الا اننا نرى في الوطن العربي مدى التباعد في وجهات النظر والية الاصطفاف نحو القضايا العربية والاسلامية بحكم وجودهما على حدود الوطن العربي والذي يجعل منهما في صراع خفي مستمر نحو استقطاب كثير من الدول العربية ضمن التحالف الذي يقودانهما .
إيران قلقة من تنامي دور تركيا، لا سيما ان القافلة البحرية التي فضحت البطش الإسرائيلي تحركت نحو غزة بقرار كسر الحصار برعاية تركية سياسية وليس باعتباطية إنسانية. وهذا يعني ان تركيا قررت استراق القضية الفلسطينية من المصادرة الإيرانية لها لإعادتها الى القيادة الحكيمة . يعني أيضاً ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يلعب باتجاهين مع إيران، إحداهما الاحتضان في الملف النووي ليقحم تركيا في محادثات الدول الكبرى في الشأن الإيراني. والسكة الثانية هي سكة انتزاع شعلة الراية الفلسطينية من القوى المتمثلة أولاً بإيران وثانياً بـ «حزب الله.
ان الشعور التركي بالخلل، أدى إلى تخيل سياسة إيرانية تهدد المصالح العربية والوجود التركي. للحظة ما، وحتى على مستوى دول عربية رئيسية، نظر إلى الدور التركي بأنه مصدر توازن محتمل للجار الإيراني. ولكن هناك سبباً آخر لهذا الجدل لا يقل أهمية عن الأسباب السابقة، وهو ذلك الخاص بالتغيير النوعي في السياسة الخارجية التركية، واقترابها الحثيث من تصور العرب الجمعي لحقوقهم ومصالحهم، سواء عندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية لغزو العراق، أو عندما ثارت ثائرة رئيس الحكومة التركية في وجه الرئيس الإسرائيلي بيريس بسبب الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه على غزة.
والقيادة التركية المتمثلة بأردوغان تلعب الورقة الإسلامية وتحشد وراءها التيار العربي لتقول لإيران وللعرب: لا حلول في المنطقة من دون تركيا،وفي هذه الجولة، ربما تمكّنت تركيا من تقزيم الدور الإيراني وتبعاته في غضون 24 ساعة عندما خطفت الشارع الإسلامي والعربي وأبلغت إسرائيل: لا تختبروا صبر تركيا. إنما الصبر لغة إيرانية أساساً ومعارك الصبر تتأجج داخل تركيا بين الإسلاميين والعسكر وداخل إيران بين الحكم والمعارضة. أما صبر العرب، فإنه «أيوبي» من نوع آخر. ولذلك ما زالت معركة القيادة للقضية الفلسطينية تركية – إيرانية حتى يوم اليقظة العربية من السبات .
تركيا الجديدة تتسم بحيوية اقتصادية هائلة، وبمراجعة العديد من القوانين المقيدة للحريات، وتعيش تركيا مناخاً من الإبداع لم تعرفه منذ قيام الجمهورية. وقد استطاعت حكومة العدالة والتنمية، وبعد مواجهة عقبات ملموسة كادت تطيح بالحياة السياسية المدنية، تقليم أجنحة المؤسسة العسكرية وإعادة التوازن السياسي في البلاد، وللمرة الأولى منذ انقلاب 196، لصالح العملية الانتخابية وإرادة الشعب التركي. وتعيش إيران، من جهة أخرى، تحت ظل نظام حكم إسلامي جمهوري، يرتكز إلى قاعدة أيديولوجية إسلامية.
سعت إيران، منذ بداية الاحتلال الأمريكي وانهيار الدولة العراقية، إلى تعزيز نفوذها في العراق، ساعدها في ذلك أن القوى الشيعية الموالية لها كانت طرفاً أساسياً في التحالف الذي بنته واشنطن لإطاحة الحكم العراقي واحتلال البلاد. تركيا، من جهتها، بدأت تحركها في العراق مدفوعة بتعقيدات الملف الكردي، وبمشاعر التضامن مع الشعب العراقي. ولكن فشل المشروع الأمريكي، دفع إدارة بوش لقبول دور تركي محدود؛ ثم جاءت إدارة أوباما، لتعطي الأولوية لأفغانستان على العراق، وتفسح المجال بالتالي لدور تركي أوسع في العراق، وفي المنطقة ككل.
ثمة تداخل وتقاطع بين توجهات السياسة الخارجية الإيرانية الإقليمية والتوجهات التركية، ولكن الخلافات بينهما تبقى جوهرية. في البداية، وبالرغم من أن إيران تستند إلى أكثر من ربع قرن من السياسة الإسلامية النشطة، وأن ثمة حلفاء أيديولوجيين لها في الجوار والتدخل المستمر في شؤون بعض الدول المجاورة، فإن إيران تواجه وضعاً داخلياً قلقاً، ليس فقط ذلك المتعلق بالتدافع الحاد بين ما بات يعرف بالإصلاحيين والمحافظين، ولكن أيضاً، وهذا هو الأخطر، ذلك المتعلق بحقوق وموقع المجموعات القومية والطائفية المختلفة.
وربما يوفر تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين نافذة دبلوماسية أوسع للتفاهم الإقليمي وتجنب اصطدام المصالح، أو لتحويل التدافع إلى صفقات دبلوماسية. ولكن هذا ليس الحل الأفضل والأطول لمدى احتمالات التنافس والتدافع. الحل أن تتحرر السياسة الإيرانية من الطائفية، وأن تعيد النظر في موقعها من المجال الإسلامي ككل، وأن ترى نفسها جزءاً لا يتجزأ من أمة إسلامية مترامية الأطراف، لا أكثر ولا أقل من أي من جماعات هذه الأمة، وتخرج نهائياً من الميراث الصفوي الطائفي الذي أثقل كاهل الإيرانيين ودولتهم.
bsakarneh@yahoo.com