قد يتأفف بعض الناس عند قراءة عنوان المقالة بقولهم: «المرأة.. مرة أخرى.. اللي فينا بكفّينا»!
«صدقوني إنّ اللي فينا» إيجابا أو سلبا منبعه المرأة ربّة ومديرة ومدبرة الأسرة ومربية الأجيال.. وكلٌ وتربيته.. وشتّان ما بين التدبير والتدمير!
ما حفّزني لكتابة هذه المقالة الآن اطّلاعي على كتاب «سنوات من النضال» للزميلة الصحفية الكاتبة الناشطة بقضايا المرأة «رنا الحسيني» المكتوب بالإنجليزية حيث دُعيتُ لحفل إشهاره، وللأسف، تعذّر عليّ المشاركة.
وها أنا أطالعه بشغف وإعجاب شديديْن لتسلسل الأحداث عبر محطات نضالية أنجزتْ الكثير منذ بداية أربعينيات القرن الماضي إلى وقتنا الحاضر في مجتمع عربي تهيمن عليه الثقافة الذكورية/ البطركية/ مما جعل كتابها مرجعا مفيدا من جهة ومادة شيّقة جذّابة، تجعل القارئ أو القارئة، يتابع بشوق تلك المحطات النضالية التي جابهتها عراقيل قانونية وثقافية تمنعها من التقدم إلى الأمام..
"تمييز» ضد النساء اصطدمت به الكاتبة منذ الصغر على الصعد كافة، الرياضية والمهنية وصنع القرار.. مما جعلنا نشعر ونحن نتابع كتابها كأنها عايَشتْ جميع حقبات النّضال النسوي منذ أربعينيات القرن الماضي إلى وقتنا الحاضر، فكدنا نلامس أريج عبق الياسمين بجبل اللويبدة وورود الدوّار الأول بزمن كان جميلا نسجته المرأة الأردنية بصبرها متحمِّلة أعباء ثقيلة ملقاة على عاتقها ضمن تسهيلات ضئيلة..
حلّقتُ طربا بينما كنتُ أبحر في كتاب رنا الحسيني «سنوات من النضال» وصفقتُ جذَلا لتسطيرها نضالات المرأة الماضية، لهؤلاء اللواتي حفرْن الصخر بأيديهن معبّدات الدروب للأجيال الحاضرة والقادمة التي شهدت، وستشهد، ما بدأته السابقات، مهيّئات الطرق للاحقات..
كلا، لن أتوقف عند المادة 340 عقوبات المتعلقة بجرائم الشرف، ولا المادة 308 من زواج المغتصِب للمغتصَبة، ولا المادة 98 عقوبات التي بمجملها تنحاز للرجل على حساب المرأة الضحيّة عبر منحه العذر المخفَّف..
ومن هذا المنطلق نذكّر الجميع وبخاصة المشرّعون جميعهم بأننا نريد إنصاف المرأة ليس من أجل عيون المرأة فحسب بل من أجل المجتمع بأسره وبخاصة أننا ندرك تماما بل نؤكد دوما على أنها النصف الآخر من المجتمع بل هي بمثابة الجناح الثاني للطير الذي لن يحلق بجناح منفرد بل بجناحين متعاونيْن يكمّلان بعضهما بعضا للوصول للتنمية والنمو والتقدم والتطور..
ومما يثلج الصدر حقا هو تأكيد الكاتبة «رنا» بأنها لمست تقدما ملحوظا بحقوق المرأة بالأردن على مدى السنوات العشرين الماضية..
ونحن نتفق معها؛ فنضال المرأة لنيل حقوقها قد بدأ يؤتي أُكله تدريجيا، ولهذا نحن نُذَكّر من هذا المنبر: بأن قضية المرأة لا تُبحث بصورة مجرّدة - بمعزل عن قضايا المجتمع- فهي جزء منه.. فالنهوض بالمرأة لا يتم إلا عبر إطار مشروع تنموي وطني متكامل ليضمن العدالة والمساواة كما يؤمّن التوظيف الأمثَل للموارد البشرية.. مما يغنينا عن استيراد اليد العاملة من الخارج لأن التنمية الحقيقية تقوم بجوهرها على المواطن رجلا وامرأة.
«شئنا أم أبينا»!
(الرأي)