في بلادنا ثمة اسماء كثيرة وكبيرة يمكن ان تدرج في قوائم (النخب) ، وهذه - بالطبع - تشمل الميادين كلها ، من الطرب الى اللعب ، ومن السياسة الى الفكر ، ومن الاكاديميا الى الاعلام ، وغيرها ، لكن من النادر ان تجد من بين هذه الاسماء نجماً او رمزاً تعدى حدود المحلية ، او أصبح نموذجاً انسانياً معروفاً في العالم ، او - حتى - حاز على توافق وطني او عربي لكي يمارس دور (المُلهم) شأن كثيرين ممن عرفتهم الامم والشعوب في الماضي.. والحاضر ايضاً.
لماذا عجز مجتمعنا عن انتاج (الرمز): فقيهاً كان او سياسياً او مثقفاً ، او عن صناعة (النجم): فناناً كان او رياضياً او داعية ، هل المشكلة في (التربة) أم في المناخات ام في (الأرحام) الثقافية والسياسية ام في (ماكينات) الصناعة أم في الجغرافيا.. هل المشكلة في النخب ذاتها ام في جمهور المريدين والمتفرجين ، في الخطاب المرسل ام في اجهزة الاستقبال ولواقطها المعطلة احياناً؟
قد تبدو الاجابة مفتوحة على كل الاحتمالات ، ولكن المهم هو الاعتراف بانه غيرنا نجح في ابراز (نماذج) ملهمة ، سواء على شكل رموز او نجوم ، يلتف حولها تلاميذ ومريدون ، ويشكلون مرجعيات معتبرة ومنتجة ، لا تفرض حضورها بأوامر الطاعة ، والتقليد ، وانما (بالسلطة) الادبية والاخلاقية ، ولا تنتزع احترامها وتقديرها بما تمتلكه من سطوة ونفوذ ، وانما عن وعي وقناعة ، بل ويحملونها الى الاخرين بمنتهى الحرص والاعتزاز.
غيرنا نجح في هذا ، وصدر لنا نجومه ورموزه حتى أصبحت تساهم في تشكيل وعينا وثقافتنا وتدخل (أفهامنا) بدون استئذان ، لكننا - للاسف - لم نفلح في تصدير (نجومنا) المحليين اليهم ، او في (ترويج) رموزنا لديهم ، والمشكلة ليست في عدم وجود هؤلاء ، ولا في حراكهم الذي ظل محليّ الصدى ، وانما في عجز مجتمعنا عن انتاج (توافق) عام حول رمزْ ما ، او - ربما - في تماهي (نخبنا) مع خط السياسة والادارة وتحولهم - بالتالي - الى موظفين مستهلكين لا منتجين ، ومستخدمين لا فاعلين ، وراضين (بنصيبهم من المواقع المحلية ، مع ان بعضهم - احياناً - يستحق افضل منها ، ولديه ما يؤهله لذلك.
في مونديال الرياضة - مثلا - يحفظ (المعجبون) باللعبة اسماء ابطالها ، مهما اختلفت جنسياتهم ، ويعلقون صورهم على سياراتهم وصدورهم ، ويلهمهم ما يصدر عنهم من مواقف ، وفي مونديال السياسة ، والثقافة والطرب ايضا ، ثمة اسماء (لنجوم) ما نزال نذكرها وتحتفظ بها ذاكرتنا ، حتى لو كانت غير عربية ، وفي تاريخنا ايضا اسماء كثيرة لفقهاء واعلام تحولوا الى رموز ونجوم ولهم اتباع ومريدون ومعجبون.
كيف وصل الينا هؤلاء ، ومن أي (المصانع) خرجوا ، وهل يمكن لمجتمعنا ان يخوض مثل هذه التجربة ، ان يلد (نجماً) عابراً لحدوده المحلية ، ان يفرز عالما يتنافس على (نوبل) ، ان يخَرْجَ من رحمه (رمز) سياسي كغاندي او مانديلا ، ان يصنع (مثقفاً) او فقيهاً او داعية له مريدوه وقراؤه ومستمعوه في انحاء المعمورة؟
لدينا من هؤلاء الكثير ، ولكنهم للاسف ما زالوا يتحركون في (اسيجة) ضيقة ، وفضاءات محدودة ، يفتقدون للاجنحة التي تحملها الى محيطهم القريب ، او الى الدائرة الانسانية الواسعة.. وهذه - بالطبع - مسؤوليتهم ومسؤوليتنا ، واجبهم وواجبنا ، لكننا - على الطرفين - قصرنا في ذلك.. وآمل ان تعود عن هذا التقصير ونعوضه بما يلزم من (عمل) لكي يصبح لنا - كغيرنا - سفراء في هذا العالم واسماء تضيء حضورنا في كل مكان.
افلاكنا تبحث عن (نجوم) ، وتلاميذنا يفتشون عن نماذج (مُلْهمة) وحواضرنا العربية والانسانية لديها من (الفراغات) ما يدفعنا لملئها بالحضور.. فهل خطر في بالنا أن نفعل ذلك؟ اتمنى،.
الدستور