ذكريات آل زيادين: سلوى ويعقوب وقيس!
باسم سكجها
02-11-2021 07:47 PM
لم ألتق بها سوى مرّة واحدة، وكان ذلك في بيت العزّ النضالي الذي جمعها مع زوجها في أم أذينة. المناسبة كانت إحتفالاً مُصغّراً بخروج هاشم الغرايبة من سجن سنوات طويلة، حضره قياديو رابطة الكتاب التي كانت حُلّت قبل قليل، وبالطبع بعض من قيادات الحزب الشيوعي الأردني.
لم ألتق بها سوى تلك المرّة، ولكنّني كنتُ أعرف عنها الكثير. أتحدث عن الراحلة سلوى زيادين، وبالضرورة عن الراحل يعقوب زيادين، وعن ذلك البيت الحميم الحافل بالنقاء، ولا أنسى الدكتور أبا خليل وهو يغمزني أن: تعال! فتوجّه إلى باب صغير وأنا خلفه، وفتحه لأجد نفسي في مكتبه الشخصي، حيث الجدران الرابعة ملاى برفوف الكتب، ولعلّه لو استطاع لجعل من سقفه وبلاطه مستقراً للكتب…
جلس الدكتور يعقوب زيادين على مقعده، فجلست مقابله، ودون مقدّمات سَحب من تحت كرسيّه كتاباً، وفتح الصفحة الأولى، ومن قلم “بيك” كان يحتلّ جيب قميصه، فصار في يده، وبدأ يكتب. لعلّها كانت دقائق أقلّ من قليلة، أنهاها بالتوقيع، ووقف مقدّماً لي الكتاب، ومع ضحكة مكتومة قال: ضعه تحت حزامك عند ظهرك، ومع تنفيذي لتعليماته كانت السيدة سلوى تفتح الباب وتقول: شو يا يعقوب الشباب يسألون عنك، والسفرة جاهزة!
كان ذلك كتاب “البدايات” الممنوع من التداول، وتحت طائلة المسؤولية الجزائية، في ذلك الوقت، ومع عودتي إلى بيتي، كسرتني كلماته الإهدائية الحنونة، وبعدها فقد أسرتني تجربته الإنسانية، حيث قضيت ساعات في القراءة، وأظنّني حين انتهيت، عُدت للقراءة من جديد، وكأنّني كنتُ أقول لنفسي: لا أريد الانتهاء من القراءة!
الأستاذ محمد سعيد مضية، أبو فؤاد، هو الذي عرّفني شخصياً على الدكتور يعقوب، وهو الذي أبلغني قبلها بسنتين بأنّه رشّحني للسفر في دعوة إلى ألمانيا الديمقراطية، ويبدو أنّ الإثنين كانا يظنّان أنّني مؤهل للوجود في الحزب الشيوعي، فقد انفردت بلقاءات في حيفا مع الدكتور أميل توما، والحبيب أميل حبيبي، ونشرت في “الرأي”، وسافرت إلى برلين الشرقية، وكتبت بعدها في “الرأي” أيضاً، وأظنّها نُشرت حينها لأنّ رئيس التحرير الراحل محمود الكايد، بدأ السياسة شيوعياً أصلاً!
أنا لم أكن شيوعياً، ولن أكون في أيّ حزب، ولكنّ أغلب الشيوعيين كانوا أصدقائي، وإذا كان واحد منهم أثار في ضميري قمّة الأعجاب فهو يعقوب زيادين، وإذا كانت هناك واحدة بين أخريات مناضلات قدّمن لي ريادة النساء في العمل العام، فهي سلوى زيادين، ولا أنسى أنّ أذكر أنّ أبا خليل وقف ضدّ الاحتلال العراقي للكويت، وحذّر من تداعياته المستقبلية، فكتبت ضدّه، ولكنّه أخذ كتاباتي بسماحة الكبير، وحين التقيته بعدها وكأنّ شيئاً لم يكن، ولكنّه كان على حقّ!
رحيل سلوى بعد ستّ سنوات على رحيل يعقوب، يستفزّ فيّ الكتابة، وتسجيل ذكريات، فداخل أسوار القُدس العتيقة وُلدت، وبين أزقتها وشوارعها تربّيت حتى بداية الشباب، ومن فخر فخري أنّ أهلها، أهلي، هم الذين انتخبوا يعقوب نائباً عنهم في البرلمان الأردني، ومن فخر فخري أنّ القُدس كانت تعرف أعمال المناضلة سلوى، ولا يبقى من كلام سوى أنّ آل زيادين أحبائي، وعزوتي، والأمل كلّ الأمل، أن يحافظ الحفيد قيس زيادين على ذلك الإرث بتجديده، ولعلّ للحديث بقية!