كلمة " محترم " هي في اللغة إسم مفعول , ومتى كانت كذلك , فإن المتصف أو المستهدف إيجابيا بها , يحظى بإحترام الآخرين لصفات أوجبت هذا الإحترام والتقدير.
أيام زمان عندما يسأل عن شخص ما فيجيب المسؤول بأنه شخص محترم , فإن هذه الكلمة تغني عن شرح كثير قد يطول في تعداد محاسن خلقه , وهي تغني السائل عن المزيد من الإستفسار والسؤال عن صفاته وسجاياه.
فالكلمة بحد ذاتها , تعني أن هذا الشخص على خلق محمود حسن , فهو لا يكذب ولا ينافق ولا يتكبر ولا ينافس إلا بشرف , ويؤثر غيره على نفسه تأدبا , ولا يقول إلا خيرا ويجهد في إحترام شرف الكلمة والخصومة فلا يذم ولا يتهم زورا ولا يبغض ويسعى حثيثا في خدمة الناس ما إستطاع إلى ذلك سبيلا.
المحترم لا يخوض في أعراض الخلق, لا بل يستر عوراتهم إن وقعت عيناه على مثلبة , يكره النفاق وسوء الأخلاق والإستئثار والفساد بكل ألوانه ولا يخلف وعدا ولا ينقض عهدا ولا يغدر ولا ينتهز بنذالة ولا يقصي بطمع , وهو قد يعتب وقد يغضب لكنه لا يخون أبدا .
أما نقيض " المحترم " فصفته أنه غير محترم , وبالتالي فهو يفعل وببساطة , عكس كل ما سبق من خصال المحترم , ولا يرف له جفن إذ لا يدور بخلده إلا نفسه وهواها حتى لو كان في ذلك إساءة لما عداه من بشر.
إنها " التربية " البيتية الأسرية قبل كل شيء آخر , تنتج وفقا لمبادئها شخصا محترما , وقد تنتج غير ذلك.
من أبشع " قيم " هذا الزمان التي باتت قيما مادية خالية من روح ومعنى وضمير ووجدان , أنها لا تعير أي إهتمام لقيمة " الإحترام " , وتذهب بعيدا في تقديم سمات الفهلوة والشطارة والقنص غير المشروع للفرص وفن النفاق والإستزلام والإرتزاق والصوت العالي , على أية قيمة طابعها عفة اللسان وشرف الكلمة والسلوك الحسن.
بصراحة , قد يكون العالم اليوم على عتبات آخر الزمان , حيث الناس المحترمون لا مكان لهم وسط الزحام , وحيث يتقدم أضدادهم الصفوف بفعل ما يسمونه فهلوة وشطارة وفن نفاق يطلقون عليه وصف " علاقات عامة " , وهو في حقيقته علاقات طامة تحصر مكاسب الدنيا ومنافعها وزينتها الزائفة ونعيمها الزائل لا محالة , في أيدي ولمصلحة فئات محدودة مقربة أو لها القربى على حساب العامة من خلق الله جل جلاله الراضين بصفة " محترم " , معرضين عن كل هوى غير مرضاته سبحانه , حتى وهم وغيرهم يدركون جيدا أنهم الأكفأ والأفضل والأقدر , والأهم , أنهم محترمون , وليس بمقدورهم أن يكونوا غير ذلك إذ تأبى عليهم أخلاقهم , الإنزلاق إلى ما هو أدنى.
الله الكريم القائل لمحمد صلى الله عليه وسلم " وإنك لعلى خلق عظيم " من وراء قصدي .