إعلان جديد من الحكومة الإسرائيلية عن بناء وحدات استيطانية في الأراضي العربية المحتلة. الإعلان قوبل بإدانات من قبل القوى المعنية أقواها كان من الأردن والسلطة الفلسطينية، رغم أن مواقف أخرى كانت لافتة، فالأوروبي بقيادة ألمانيا أدى لأن تتبنى ثماني دول الدعوة لإسرائيل العودة عن القرار، والموقف الأميركي رأى في الإعلان الاستيطاني الجديد تعارضا مع رؤية الإدارة الأميركية الداعمة لحل الدولتين، وطلب وزير الخارجية بلينكن من نظيره الإسرائيلي غانتس أخذ الموقف الأميركي من الاستيطان بعين الاعتبار عند أخذ قرارات الاستيطان.
سياسة اليمين الإسرائيلي تقوم على الاستمرارية ببناء المستوطنات واقتحامات المسجد الأقصى الحرم القدسي الشريف، بهدف أن تعتاد العين والأذن العربية والدولية ذلك، فيصبح من الروتينيات التي نألفها. هذا خطير وفيه لؤم سياسي كبير، لكنه بالمحصلة وإن كان يحقق أهدافا ثيولوجية لليمين الإسرائيلي، فهو أيضا يسير بإسرائيل نحو حل الدولة الواحدة للفلسطينيين والإسرائيليين، فتكون الدولة بأغلبية عربية فلسطينية. الاستيطان سيجعل الانفكاك بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أمرا مستحيلا، ويصعب قيام الدولة الفلسطينية، ما يجعل طرح الدولة الواحدة أمرا لا مناص منه.
على أهمية هذا الطرح وقوته الإقناعية، إلا أنه لا يوجد أي نقاش حقيقي مؤثر حول هذه الأمور داخل إسرئيل، فاليسار ومعسكر السلام ضعيف وغير مؤثر، والقوى الفلسطينية والعربية ما تزال قاصرة عن فهم أهمية التأثير بالرأي العام الإسرائيلي، تتحدث مع ذاتها فقط وتدين لأغراض سياسية داخلية أكثر من أي شيء آخر. الطرح المناوئ للبناء الاستيطاني يمكن أن يغير في قناعات الناخبين الإسرائيليين، إلا أنه غائب، فلا يوجد أي اشتباك سياسي أو إعلامي حقيقي ينقل هذه المعركة وهذا الجدل الى الداخل الإسرائيلي رغم أن المساحة السياسية هناك تحتمل ذلك، ورغم أن نقل هذا النقاش للداخل الإسرائيلي سيكون له أثر ملموس وأكثر فعالية من كل ضغوط الخارج المرتبطة بالقانون الدولي والضغوط الدبلوماسية. ماذا لو كانت هناك خطة محترفة، عربية فلسطينية وبدعم دولي، تنفذ من قبل مؤسسات وشركات العلاقات العامة وإدارة الاعتقاد، للاشتباك مع الرأي العام الإسرائيلي حول الملفات الاستراتيجية المعقدة مثل الاستيطان والاقتحامات؟ ألن يكون ذلك أكثر أهمية وتأثيرا من كل بيانات الإدانة الدولية والإقليمية التي ثبت أنها غير مؤثرة بالقدر الكافي؟
الأردن والسلطة ومصر هي من يبادر دوما بإدانة قرارات الاستيطان والاقتحام، وهذا جيد، لكنه ضمن معادلة سلوك اليمين الإسرائيلي السائدة غير كاف، ولا بد من تفكير استراتيجي يضع أدوات أكثر تأثيرا، لذلك فإسناد هذه المواقف بخطط اشتباك مع الداخل الإسرائيلي، إعلامية وسياسية، خاصة في مرحلة ما بعد نتنياهو، سيكون ذا أثر مهم ملموس. لا يمكن أن نستمر بالحديث مع أنفسنا في هذا الشأن، تاركين الملعب السياسي الإسرائيلي لأطروحات اليمين المسيطرة على المشهد الانتخابي، وعلينا استثمار الانفتاح الإعلامي الإسرائيلي لكي نشتبك ونغير من توجهات الرأي العام هناك.
(الغد)