هل تنفتح بوابة القوقاز أمام تركيا؟
داود عمر داود
31-10-2021 03:51 PM
العداء المفاجىء الذي أبرزته ايران تجاه أذربيجان، وطفى على السطح مؤخراً، ألقى بظلاله على مجمل الأوضاع في منطقة القوقاز، وينذر بإندلاع أزمة كبيرة بعد أن كشفت إيران أن أذربيجان وأرمينيا تتفاوضان الآن لتبادل الأراضي بينهما، مما يؤدي إلى فتح إتصال بري وجوي مباشر، بين تركيا وأذربيجان، دون الحاجة للمرور عبر إيران التي سينقطع إتصالها البري مع أرمينيا. وقد أثارت هذه العوامل حفيظة إيران وجعلتها تحشد قواتها على حدودها مع أذربيجان وتتوعدها هي وتركيا. فما هي هذه التطورات التي ربما تثير الصراع بين هذه الدول الثلاث؟ وما هي مآلاتها؟
حرب إقليم كاراباخ:
يعزو المراقبون سبب التوتر بين أذربيجان وإيران إلى حرب 2020 التي أدت إلى إستعادة باكو سيطرتها على إقليم (ناغورنو كاراباخ) الذي كانت تحتله أرمينيا منذ 30 عاماً. وقد وقفت كل من تركيا وباكستان إلى جانب أذربيجان في هذه الحرب، بينما دعمت إيران أرمينيا عسكرياً. وجاءت هزيمة أرمينيا لتنعكس سلباً على إيران وتجعلها تتعرض للإقصاء في القوقاز. ومع هذا فقد إعترفت إيران أخيراً بأن إقليم (كاراباخ) هو جزء من أذربيجان.
مناورات تركية أذرية باكستانية:
ثم تعرضت إيران للاستفزاز عندما أجرت أذربيجان مناورات عسكرية بمشاركة قوات تركية وباكستانية، واعتبرت أن المناورات تنتهك أحكام (اتفاق الوضع القانوني لبحر قزوين)، الموقعة منذ عام 2018، والتي تمنع نشر قوات عسكرية من قبل دول غير مطلة على البحر، وذلك في إشارة احتجاج على مشاركة قوات تركية وباكستانية في المناورات، رغم أن الإتفاق لم يدخل حيز التنفيذ لأن ايران نفسها لم تصادق عليه أصلاً.
قيود على حركة التجارة الإيرانية:
والأمر الثاني الذي استفز إيران هو فرض أذربيجان قيوداً على مرور شاحناتها على طريق كان سابقاً يربط بينها وبين أرمينيا، يقع ضمن إقليم (كاراباخ) الذي استعادته أذربيجان. وكانت إيران تستخدم نفس هذا الطريق دون قيود، حين كان تحت سيطرة أرمينيا، لوصول شاحناتها إلى روسيا ودول غرب آسيا.
تنازل أرميني عن أراضي إلى أذربيجان:
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، وشكلت الإستفزاز الأكبر والأهم لإيران هو ما تردد في وسائل إعلام إيرانية أن أرمينيا تنوي التنازل عن مقاطعة (سيونيك) الإستراتيجية إلى أذربيجان، مقابل مكاسب أهم بالنسبة لها في (إقليم كاراباخ). وتشكل هذه المقاطعة، أقصى جنوب أرمينيا، حدودها مع إيران، بطول 44 كيلومتراً. وإذا تخلت عنها أرمينيا فسينقطع إتصالها البري مع إيران.
رد الفعل الإيراني:
وتتهم إيران تركيا بأنها تقف وراء خطة تبادل الأراضي، وأن قرار أنقرة المضي قُدماً بهذا الطموح طويل الأجل، في إنشاء رابط بري بينها وبين أذربيجان، من شأنه إلغاء وصول إيران إلى أرمينيا، وذلك سيضع إيران في موقف جيوسياسي ضعيف، حيث تفقد طهران ارتباطها بحليفتها أرمينيا وما بعدها.
وهذه الخطة إن قُدر لها أن تُنفذ، على أرض الواقع، فإنها ستضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية تتصل تركيا بأذربيجان برياً ومنها تتصل بالدول الإسلامية في قلب آسيا. ومن ناحية اخرى، تحرم إيران من الإتصال مع أرمينيا، وتغلق في وجهها طرق التجارة.
لكن إيران تتحدى وتقول بأنها لن تتسامح مع التغيير الجيوسياسي وتغيير الخريطة في القوقاز، ومع أي وجود عسكري إسرائيلي هناك، الأمر الذي تنفيه باكو. وقد عبرت أذربيجان عن استغرابها من توقيت التدريبات الإيرانية عند النقطة صفر من حدودها، وتساءلت لماذا تتم المناورات بعد تحرير إقليم (كاراباخ) من الإحتلال الأرمني؟ وما هو موقف الدول التي تسعى لتحجيم دور إيران، وفي مقدمتها أمريكا، من كل هذه التطورات؟
الأزمة من منظور تركي:
ويتهم الجانب التركي إيران بالسعي لإشعال فتيل حرب جديدة في القوقاز، تمثل في تهديدها لأذربيجان وحشدها العسكري على الحدود بينهما. وترى تركيا بأن موقف إيران تعرض للضعف بسبب انتصار أذربيجان في حرب العام الماضي في إقليم (كاراباخ)، وبسبب دعم باكستان العسكري لأذربيجان، واستلام طالبان الحكم في أفغانستان، وإزدياد قوة أذربيجان العسكرية والسياسية، وتنامي الدور التركي دولياً.
وتقول أنقرة أن الغرب يسعى لإيقاف تأثير تركيا وتقدمها، وان إيران تبنت نفس سياسة (إيقاف تركيا) وأصبحت تتناغم مع موجات الضغط القادمة من الغرب ضد تركيا. وهنا يستحضر الأتراك العداء التاريخي مع الصفويين، منذ قرون، الذي تسبب بوقف الفتوحات العثمانية في أوروبا، وفي إعادة الجيوش إلى الشرق، لمواجهة تهديداتهم. وقد اشتبك العثمانيون مع الصفويين في سلسلة حروب استمرت ثلاثمائة عام.
كما تقول تركيا إن الشيء ذاته يتكرر اليوم، فبينما هي تتعرض للضغط من الغرب نجد إيران تفتح عليها جبهة من الشرق، وتسعى لإغلاق (بوابة القوقاز) في وجهها، بمنع تواصلها جغرافياً مع الدول الإسلامية في آسيا الوسطى.
خلاصة القول: وحدة المصير:
ولو قُدر لبوابة القوقاز أن تنفتح في وجه تركيا لكان هناك تواصل مباشر بينها وبين كل من: أذربيجان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، الناطقة بالتركية، إضافة إلى أفغانستان، وباكستان. وتشكل هذه الدول في مجموعها كتلة سكانية متجانسة يفوق تعدادها، مع تركيا، 400 مليون نسمة، يقطنون منطقة جغرافية متصلة مع بعضها البعض تبلغ مساحتها 3.7 مليون كيلومتراً مربعاً. ويمكن للمرء أن يتخيل لو قُدّر لهذه الشعوب أن تلتقي مع بعضها البعض تحت مظلة واحدة، بكل ما تملك من موارد.