التحول الرقمي رؤية وتنفيذ
م. حمزة العلياني الحجايا
31-10-2021 09:48 AM
نشهد اليوم تطورات مذهلة في مجال الثورات الصناعية التي كانت ترتكز على الفحم في الثورة الصناعية الأولى، والغاز في الثورة الصناعية الثانية، والإلكترونيات والنووي في الثورة الصناعية الثالثة، والإنترنت والطاقة المتجددة في الثورة الصناعية الرابعة منذ عام 2000. والان الثورة الصناعية الخامسة التي تركز على عودة الأيدي والعقول البشرية إلى الإطار الصناعي، إذ توفر الثورة الصناعية الخامسة رؤية تهدف إلى ما هو أبعد من الكفاءة والإنتاجية، الأمر الذي من شأنه تعزيز دور ومساهمة الصناعة في المجتمعات من حيث زيادة فرص العمل والسيولة النقدية وخطوط النقل والإمداد.
جاء معرض الذكاء الاصطناعي الذي عقد في مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات في البحر الميت خلال الفترة ما بين 27 – 28 تشرين أول 2021 تحت رعاية سامية من سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، لمواكبة التطبيقات الجديدة في الذكاء الاصطناعي واستباق التغيرات والاستعداد للتحديات والتخطيط الصحيح للمستقبل، والتوظيف الأمثل للقدرات الوطنية وتمكينها بأدوات التكنولوجيا والعلم والمعرفة وبناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي من خلال دعم مختلف القطاعات لتطوير آليات عمل متقدمة تمكنها من تنفيذ استراتيجياتها المستقبلية، وتعزيزها من خلال بناء القدرات والكفاءات المتخصصة، وبما يسهم في تسريع تطوير حلول جديدة مبنية على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتسريع وتيرة احتواء الفئات الاقتصادية والاجتماعية وتحسين نظم الحوكمة والشفافية.
التحول الرقمي بات ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها، فالظروف الأخيرة التي واجهت العالم بأجمعه، جراء جائحة كورونا، اثبتت الحاجة للسعي نحو الابتكار والتطور المستمر وتكاتف الجهود لجعل الاقتصاديات المعتمدة على القوة العاملة اكثر مرونة وسرعة، ولها القدرة على مواكبة التغيرات والتطورات المتسارعة، ما من شأنه إطلاق العنان للابتكار في الفرص الجديدة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية، وضمن نطاق من التوازن يراعي الطبيعة التحولية للاقتصاد والصناعة والزراعة الرقمية، حيث أن المملكة الأردنية الهاشمية لديها الإمكانات الضخمة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، والبنية التحتية للإنترنت، حيث وصول انتشار خدمات الإنترنت ذات النطاق العريض ليصل إلى اعلى مستوى في عام 2021. وكذلك الموقع الجغرافي المميز لتكون منصة لوجستية، والتي يمكن أن تحقق قفزات اقتصادية تنموية كبيرة، من خلال تمكين عملية الإبداع والابتكار من تطبيق التحول الرقمي عبر استخدام الذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، والتقنيات الحديثة لرفع قيمة المنتجات وتنافسيتها في السوق العالمية.
دائما نطالب بتخفيض كلف الانتاج من طاقة واعباء ضريبية، ونغفل ضرورة رفع الكفاءة في الانتاج، فالتحول الرقمي يساهم في في تقليل كلف التشغيل ورفع معدل الإنتاجية والجودة في الصناعة والمياه والاغذية من خلال توفير نطاق واسع من تقنيات الأتمتة والمعالجة، بما في ذلك وحدات التحكم ومنتجات الإدارة ومنتجات توزيع الطاقة والتحكم بها ليتمكن المشغل من اتخاذ الإجراءات الوقائية، بما يسهم في رفع مستوى كفاءة التشغيل، والالتزام باشتراطات الصحة والسلامة المهنية، وسرعة الاستجابة لتقلبات الأسواق وتغيرات الطلب على المنتجات، ايضا ستكون التكنولوجيا الغذائية والتكنولوجيا الزراعية محرّكين هامين نحو جعل سلسلة التوريد الغذائي أكثر كفاءة، وستسهمان في زيادة مُخرجات الإنتاج وجودتها بالتوازي مع تقليل عوامل المُدخَلات. وبحلول عام 2050، سيصل عدد سكان العالم إلى ما يقارب 10 مليارات نسمة. ومن الناحية العملية، سيتطلب ذلك مضاعفة الإنتاج الزراعي العالمي لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء في ذلك الوقت، على أن يصبح هذا الإنتاج في الوقت نفسه أكثر استدامة وفعالية، وسيفتح هذا التحدي العالمي مجالاً أمام الابتكار، ويوفر بالتالي إمكانات لإيجاد فرص استثمارية مستقبلية واعدة في التقنية الغذائية، وكذلك انشاء البنوك الرقمية التي تستقطب مزيدا من العملاء محليا وإقليميا ودوليا في الاقتصاد الرقمي الجديد.
هناك توقعات كثيرة للخبراء حول العالم، حول تأثير الأتمتة على الوظائف، وأنه بحلول عام 2030، هناك أكثر من 70 مليون وظيفة قد تتأثر بالأتمتة، لكن في المقابل تشير تقارير كثيرة، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يخلق وظائف أكثر مما يزيله خاصة في القطاع الخاص، حيث ان الثورة الصناعية الخامسة ما هي إلا استكمال وتطوير للثورة الصناعية الرابعة الحالية وذلك من خلال البحث والابتكار على وجه التحديد، في خدمة الانتقال إلى الثورة الصناعية الخامسة المستدامة والتي تتمحور حول المرونة والإنسان. وتلعب دور فعال في تقديم حلول للتحديات التي تواجه المجتمع بما في ذلك الحفاظ على الموارد وتغير المناخ والاستقرار الاجتماعي، وتحفز المنافسة، حيث من شأن زيادة معدل انتشار استخدام خدمات النطاق العريض بنسبة 10% فقط أن تؤدي إلى زيادة تصل إلى 1.4% من إجمالي الناتج المحلي، وأن تعطي دفعاً كبيراً للنمو الاقتصادي والتكامل التجاري في المنطقة حسب بيانات البنك الدولي.
وهذا يدفعنا لصقل المهارات وبناء الإنسان وإعادة التأهيل فيما يختص بالمهارات الرقمية للإنسان وبالتعليم والتدريب والتقويم في نطاق نظام رقمي موثوق وما يقدمه من أدوات تعليمية وتدريبية نظرية وعملية وميدانية للإنسان، لبناء اقتصاد يحقق الازدهار من أجل الإنسان، بالتوازي مع مبادرات الغطاء النباتي والطاقة الخضراء والتكنولوجيا ومهارات المستقبل والتحول الرقمي والتحول التقني، وسوف تكون التكنولوجيا المستدامة والحفاظ على كوكب الأرض وبناء الإنسان من أبرز سمات الثورة الصناعية الخامسة.
الدستور