توصيات اللجنة الملكية .. لا مستهل اختلاف ولا مبتدأ اشتباك
د. نضال القطامين
31-10-2021 12:05 AM
في لندن هذا المساء وربما مساءات إضافية أخرى. لا تكفي أمسية واحدة كي أبوح للتاريخ بالود وكي أفشي للنهر الأمنيات. هنا على امتداد ضفاف التايمز، حيث كانت تأتيني رسائل أبي نضال وأقرأ فيها أن الأمة العربية لن تموت، تعكس المياه الرقراقه، صورته وهو في مرتفعٍ من الشوارع يهتف لمجد الأمة، ويحتج على مآلاتها.
أنا مستمعٌ شغف، للنهر وهو يجري ويحكي قصة الحضارة، هنا حيث ينتصب الساسة الذين انجبوا الثورة الصناعية والقانون الانجليزي، وأنصت للميادين وهي تحمل هتاف الذين قامت على دمائهم أركان الديمقراطيات، وبينما أصغي لصهيل الخيول في تلال بريمروز ويوركشير، فإن بيكاديللي تقرأ على المارة بصوتٍ يشوبه الزهو، قصائد السنين التي حملت قوانين الإصلاح وأرست بها نظاما ديمقراطيا شاملا.
لكن المشهد القلق الآخر، هو في بلاد العرب التي تدوس فيها الدبابات والانقلابات أحلام الفتية في النهضة، وترتفع على أبراجها رايات الدجل والتضليل، ليعود الناس إلى البدء والبناء من جديد في ميادين المظاهرات.
لكن عيني أبداً على وطني، حيث ينمو الإصلاح برعاية ملكية تؤسس للبدايات الحقيقية في الديمقراطية، وحيث تشهد الأسابيع المقبلة مفتتح الحوار الوطني حيال توصيات اللجنة الملكية وحيال مستهل الإصلاح السياسي.
من المتوقع أن يتحدث جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية المقبلة عن توصيات اللجنة، ومن المؤكد أن مجلس النواب سيشرع بنقاشها، ومؤملٌ أن الحوار سيكون كثيفا وصعبا حيال التفصيلات الدستورية ومقترحات القوانين الناظمة.
في نصف الكأس الممتلىء، نقرأ ما أوصت به اللجنة الملكية حيال التعديلات الدستورية المقترحة المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي، فنرى إسناداً قويماً في تكريس المساواة، حين قدمت اللجنة مقترحين لتعديل الدستور تخاطبان الشباب والمرأة، والمقترحان إنعطافٌ هام لجهة تمكين الشباب والمرأة من الإنخراط التام في العملية السياسية، فضلا عن مقترح حصيف يقضي بأن تُناط صلاحية الإشراف على تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها بجهة محايدة ومستقلّة عن الحكومة، وهذا أيضا، إنعطاف مهم.
لكن ثمة أنصاف فارغة كثيرة، تعوزها إلتفاتات وطنية أردنية، ليس فيها مستهلاً لخلاف ولا مبتدأ لاشتباك، التفاتات تعيد ترميم المفهوم الشعبي للحكومات المنتخبة وتستند في ذلك على رؤية جلالة الملك في الأوراق النقاشية، لتوضع وفق تلك القواعد، أسسا واقعية التطبيق لمنظومة الإصلاح السياسي الشامل.
نترقّب نقاشاً معمقا في إطاره الوطني، تُطرح فيه كافة المقترحات على بساط التمحيص، وندعو أن تشمل زوايا النظر بهذه المقترحات، الشكل الوطني الأردني بكل أطيافه، لكننا موقنون بأهمية السير قدما في تحديث المنظومة السياسية، وآمل كثيراً، أن يكون نسبة تمثيل الأحزاب في المجلسين الحادي والعشرين والثاني والعشرين، كما تطلعت إليه رؤية جلالة الملك وكما اقترحته اللجنة الموقرة.
وضعت القوانين كي تتكسّر، لكن كسرها في وطني المُنشأ على قواعد قومية ثابتة، يجب أن يتسق والتطوّر في الإطار الوطني المبين، ذاك الذي يأخذ بيد الدولة نحو استقرار مريح في التشريعات البرلمانية وفي الحكومات الحزبية الطالعة من مجلس نواب ذي تمثيل حقيقي، تلك التي تحمل في حقائبها مشاريع إصلاح شاملة في السياسة والإقتصاد.
مؤكد أن الإصلاح السياسي طريق بيّن للإصلاح الإقتصادي، ونحن نعلم أن أولوية المملكة الملحه هي في الإصلاح الاقتصادي الفوري، لكن خطوات البدء المباركة في الاصلاح السياسي ستفتح مسار التصحيح الإقتصادي حين يتسنى لبرامج الأحزاب ذات الرؤية الوطنية علاج الإختلالات الهيكلية في الإستثمار وفي الإقتصاد وفي تأمين فرص عمل، وذاك هو مبتغانا المبين.