الوزير من الوزر، أي من ينغمس في الوزر، أو من يحمله نيابةً عن غيره. و الوزر ليس بالضرورة أن يكون من الذنب، بل هو الحِمْلْ الثقيل الذي تنوء به النفوس. و الوزير هو من يحمل هذا الحِملْ و عليه أن يكونَ أَهلاً له. و كَمْ من كان و كَمْ من لم يكن.
الوزير جورج قرداحي الذي للحظةِ يتولى منصب وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانية، صارَ وزيراً بعد مشاواراتٍ ماراثونيةٍ لتشكيل حكومةِ لبنان و بعد ما يتوقعه المراقب من دراسةِ الخلفيات و الأهواء و بلبنان مرجعيات الطوائف و الأحزاب لكل وزير. و جورج قرداحي ليس غريباً عن اتخاذه مواقف ليست نمطيةً بالعرف اللبناني، فهو يقرأ القرآن على سبيل المثال، و يميلُ لدعمِ الوطنيةِ المقاومةِ على الوطنيةِ الشوڤينية. باختصار، هو ليسَ الوزير الآتي من ضباب، بل من سطوعٍ إعلاميٍ و مبدأيٍ لا يخفى على أحد.
ليتم اختيار الوزير، أي وزير، يتم النظر في ما فعل وقال سابقاً لتلافي المحرجات في المستقبل. من الواضح أن ما قاله قرداحي سابقاً، و ليس ببعيد عن يوم توليه المركز، لم يلفت انتباه المسرح السياسي اللبناني بما يكفي لفرملةِ تعيينه، أو أنه أُنتُِبِهَ لهُ و خُبِّئَ ليومٍ قادم. و في عالمِ السياسة يحدثُ هذا كثيراً، أن "تُفَخِخَ" التعيينات و "تُفجرها" بالتوقيت المطلوب.
الخطأُ المركب باعتقادي هو التعيين بدون دراسةٍ للخلفيات، خاصةً ببلدٍ يمر بما يمكن أن نصفهُ بالكارثةِ المتدحرجة داخلياً و خارجياً. ثم، التشبث من قِبَلِ قرداحي بالرأيِ السابق للتوزير و بالمركز الوزاري على خلفيةِ السيادة. تتفاقم الأزمة اللبنانية الخليجية و بغض النظر عن السبب المعلن أم غيرهِ من الأسباب، فأن تكونَ وزيراً ببلدٍ به أزمات يقتضي منك حصافةً أن لا تزيدَ أزماته بِرَأْيٍ من الماضي تتمسك به في الحاضر و المستقبل الوزاري.
قد تقبل قرداحي الإعلامي المحبوب و القريب من القلوب، و ترضاهُ بهذه الصفة. و قد تقبلهُ وزيراً كذلك برأيهِ في الحرب اليمنية التي تُشعِلُ و تُوغِرُ الصدور بكل إتجاه. لكنه لا يستطيع عُرْفاً و مُمارسةً التغريد خارج سرب الحكومة بآراء ليست من صالحِ الحكومة. أصابَ قرداحي عندما دافع عن مبدأ حريةِ الكلمة و السيادة، و أخطأَ عندما لم يتوقف عندها ليقولَ أنهُ هو رأيهُ كإعلامي و لكنه ليس رأي الحكومة التي يتحدثُ باسمها، و عليهِ فهو يضعُ استقالته بين يدي رئيس الوزراء. أما الآن، فمن كياسةِ الرئيس نجيب ميقاتي أن يطلب من وزيرهِ قرداحي أن يتخذَ القرار الأنسب. و ليس أنسبَ اليوم من أن يقول الوزير قرداحي وداعاً للوزارة و مرحباً بعودةِ الإعلامي قرداحي للإعلام غير الرسمي.
أين سيرسو مركب جورج قرداحي بعد الوزارة؟ كل "الميادين" إلا ما كان خليجياً!