عند أبواب عامك الثاني، أقول لك حفيدتي آية، غداً سوف تكبرين، تشعّين بأنوارِ حياةٍ ساطعةٍ صاخبةٍ متلاطمةِ الأمواج. غداً ستعرفين أن أمك لم تحتفل معنا بعيد ميلادك الأول، لأنها كانت توضّب لك ولشقيقك آدم ووالدك فراس حياة أفضل. كانت تطبّق حرفياً معنى الآية القرآنية "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (المُلْك/ آية 15). غداً عندما تنمو مدارككِ سترين الأرض أصغر عند الله من جناح بعوضة. ستقرأين أنها مُجرّدُ ذرّةٍ/ رذّةٍ/ هبابةٍ وأصغر أصغر في السديم الكونيّ الفسيح، وفي رذاذ الهيولا التي لا تُحد.
وأن المسافة التي تمثلها 20 ساعة طيران نحو حيث تقيم مارييت والدتك في الشمال الشرقيّ القصيّ من الولايات المتحدة الأميركية، هناك عند المِزاج الأقرب إلى كندا والكِبِك وألوان الخريف البديع، هي مجرّد لمحة بصر عندما يصير الكوكب أسرع، ونواحيه أقرب إلى بعضها بسبب تطوّر العلم، وتقدم وسائل النقل، وتكنولوجيا الاتصال.
لا سبب حزين لغياب أمّك عن هذا اليوم يا حفيدتي الجميلة. لا سبب مخجل. لا سبب غير وجيه. لو كانت الحياة آية، فهي تحاول الآن تجويد تلاوتها. لو كانت الحياة أغنية فهو تحاول الآن جعل لحنها أكثر عذوبة. لو كانت الحياة رحلة فهي تحاول الآن حملكم إليها معها. لو كانت الحياة فرصة فهي تنقض عليها الآن بقضها وقضيضها من أجل مستقبل أزهى وأبهى وأكرم وأغنى وأوفر لكم ولها. لو كانت الحياة معنى فأمّك يا همس روحي تذوب الآن بكلّها وحرصها وجهدها ومثابرتها داخل هذا المعنى. لو كانت الحياة مدرسة، فوالدتك تعطي الآن الحصّة الأولى في درس الدروب الصعبة التي يخوضها الناس من أجل تحسين نوع الوجود وشكله ومِعماره ومختلف تفاصيله.
ستكبرين وتفهمين وتبتهجين وتبسُمين كثيراً تبسُمين.. بأجمل ما في محيّاك من روعةٍ ورِفعةٍ ودلال.. بأنقى مواويل البراءة.. بأجلِّ ما منح الله ملامحكِ وملامحِ بني الإنسان من حُسْن وجمال ورقيّ وجاذبية.
ستضحكين.. ستضحك لك الحياة.. سيزور السرور قلب والدتك ووالدك وشقيقك وأي أشقاء مُقبلين.. سوف نفرح إن شاء الله أجمعين.