الهوية الوطنية: حديث في العمق
د.طلال طلب الشرفات
30-10-2021 12:14 AM
يخطئ من يظن أن ثمة تلازم بين الهوية والجنسية، ويخطئ أكثر من يعتقد أن الهوية هي نتاج تمازج الحقوق والواجبات ذلك أن التوصيف السطحي للهوية الوطنية قد أَضحى سمة لحديث الساسة، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي دون الولوج في عمق المفهوم وقدسيته، ودون الفهم الدقيق لهوية الدولة، ولونها السياسي، وثوابتها وقيمها الراسخة، ومظاهر استقلالها وعنفوانها الذي يشكل ذروة الرابطة المعنوية بين الوطني والدولة.
صحيح أن معيار ورابطة الجنسية تشكل أساساً للحقوق والواجبات، وصحيح أكثر أن المواطنة تعتبر حقاً لكل من يتمتع بجنسية الدولة - أي دولة - ولكن الهوية الوطنية مفهوم مختلف تماماً ويرتبط الى حد كبير بالإيمان الناجز بقدسية الدولة، ومؤسساتها، وسلطاتها الدستورية دون مزاوجة مبادلة أو مقايضة بأي هوية أخرى مهما تعددت المرجعيات أو الجنسيات أو ظروف التجنيس أو حتى عندما يتعلق الأمر بالجنسية الأصلية؛ لأن الهوية الوطنية شيء مختلف تماماً عن الحقوق والواجبات.
الجدل الدائر حالياً حول مفهوم الهوية الجامعة يشكل تسخيف للمفاهيم العامة، وتسطيح لأولويات العمل الوطني، ومحاولات مزج مشوه للتباينات الراسخة بين المواطنة والوطنية، سيما وأن مضامين هذا الجدل لا تلامس عمق المفهوم، ولا تخترق قواعد التوصيف الأمين المنصف لمفهوم الهوية الوطنية، وتخرق ثقباً في سفينة البناء الوطني دون فائدة ترجى.
دعونا نتفق أن محبة الوطن والانتماء إليه وتمثل قيمه؛ لا ترتبط بعرق أو جنسية، وليس كل من يحمل جنسية الدولة بالضرورة أن يكون وطنياً وحريصاً على الهوية الوطنية، ومن تخلى عن رابطة الجنسية لسبب أو لآخر ليس بالضرورة أن يفقد هويته الوطنية الأردنية ما دام مؤمناً بقدسية الوطن ومنتمياً لثراه، ويدافع عنه في السراء والضراء، فمن يعشق الوطن دون أن يخالطه أي عشق آخر هو بالضرورة وطني شريف، ورائد حر من رواد الهوية الوطنية.
ليس من مصلحة أحد في هذا الظرف الوطني الدقيق الخوض في المسلمات الوطنية، سيما وأن الأوطان تلفظ عادة كل حاقد أو متآمر أو متخاذل عن الانتماء للوطن، والولاء لقيادته دون الحاجة إلى معرفة طبيعة الرابطة القانونية، وطريقة الحصول عليها باعتبار أن الجنسية متغيرة وترتبط بضوابطها القانونية، وتنتهي بالتخلي عنها أو سحبها في حين أن الهوية الوطنية إيمان، والقاعدة الراسخة تقول الروابط تتغير في حين أن الإيمان لا يتغير أبداً.
والحقيقة أن قرينة الوطنية ماثلة لكل من شرب من البئر الوطني الأردني ولم يرمِ به حجراً، أو يزاوج الولاء والانتماء مع أي دولة أخرى أو سفارة أو جهاز أجنبي؛ لأننا عندها نكون بصدد خيانة وطنية والخيانة والوطنية نقيضان لا يلتقيان.
كل الذين يحبون الأردن وقيادته وينتمون إليه وطنيون، والمعاوف الوطنية، والقضايا السياسية العالقة يمكن الحديث عنها بوضوح وصراحة على الطاولة دون أن نصل إلى تقسيم الأردنيين إلى مراتب، وطبقات في مفاهيم الهوية الوطنية؛ لأن القلوب والضمائر لا يعلم فيها إلا الله.
وحمى الله وطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة وشعبنا الأصيل وهويتنا الوطنية الراسخة من كل سوء.