تعددت النماذج النووية في الشرق الأوسط; وكان آخرها ظهورا, وإن من حيث الفكرة حتى الآن, هو النموذج الأردني الذي لم تتبلور فكرته بعد; ذلك لأنها مدار صراع, اشتعل فتيله, أو أشعلت إسرائيل (النووية بالمعنى العسكري من رأسها حتى أخمص قدمها) فتيله, مذ بدا الأردن عاقدا العزم على الإفادة من احتياطه النووي (نحو 65 ألف طن) ومن الطاقة النووية, كهربائيا ومائيا في المقام الأول; ولمَّا يُحْسَم هذا الصراع.
ما نعرفه حتى الآن, وبصرف النظر عن نسبة الحقيقة فيه, هو أن الأردن يملك هذا الاحتياط النووي, وأراد, بداية, أن يصنِّع بنفسه وقودا نوويا من اليورانيوم المستخرج, وصولا, في آخر المطاف, إلى توليد طاقة كهربائية (من مصدر نووي) فيلبي نحو 30 في المئة من احتياجاته من الكهرباء, مقللا, بالتالي, حجم وارداته النفطية.
والأردن, الذي هو في أمسِّ الحاجة إلى المياه العذبة, يمكنه أيضا الإفادة من هذا المصدر النووي للطاقة في تحلية مياه البحر.
تلك, الفكرة النووية الأردنية الأولية; ولكن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ضد مبدأ أن يصنِّع الأردن بنفسه وقودا نوويا, والتي هي ضغوط إسرائيلية المنشأ والمصدر, أحدثت تغييرا جوهريا في الفكرة, فزُعِم أن الأردن قَبِل, بالتالي, أو أخيرا, أن يكتفي باستخراج الخام (من اليورانيوم) وتصديره, وأن يموِّل, بفضل ذلك, برنامجه النووي السلمي, وكأن ليس من حقه أن يصنِّع بنفسه ما يحتاج إليه من وقود نووي, مع أن معاهدة حظر الانتشار النووي (وهو من موقعيها) تكفل له هذا الحق.
الأردن, شأنه في ذلك شأن كل دولة عربية, ليس من حقه التمتع بكل الحقوق والامتيازات الممنوحة لكل دولة توقع تلك المعاهدة; ولكن عليه أن يلتزم كل ما ترتبه عليه من مسؤوليات والتزامات وواجبات!
ليس من حقه ذلك مع أنه (إضافة إلى ذلك) يرتبط مع إسرائيل بمعاهدة سلام, وينتمي إلى الدول العربية "المعتدلة", ويُعَدُّ من الدول الصديقة والحليفة للغرب, وللولايات المتحدة على وجه الخصوص, فإن تصنيعه بنفسه لوقود نووي, أو تخصيبه بنفسه لليورانيوم ولو بنسبة تكفي فحسب للاستخدام السلمي للطاقة النووية, هو خط أحمر إسرائيلي غير مسموح أبدا بتجاوزه.
وفي المقارنة التي لا بد منها الآن بين النموذجين النوويين الإيراني والأردني نقول إن إيران تشبه الأردن لجهة كونها دولة موقعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي, وملتزمة, على ما أعلنت وأكدت في استمرار, عدم تصنيع أسلحة نووية, لكونها حراما من الوجهة الدينية على ما تزعم, ومصممة فحسب على أن تخصب بنفسها اليورانيوم بما يفي بالغرض السلمي وهو توليد الكهرباء من الطاقة النووية.
لكنها تختلف عنه في كونها دولة دينية, معادية لإسرائيل, منتجة ومصدرة للنفط والغاز, وتعتزم, على ما يزعم الغرب, المضي قدما, وسرا, في عملية تخصيب اليورانيوم, وصولا إلى تصنيع قنابل نووية.
أما في المقارنة الضرورية أيضا بين النموذج النووي الأردني والنموذج النووي الإسرائيلي فنقول إن إسرائيل غير الموقعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي, والتي ترفض إخضاع منشآتها ومفاعلاتها النووية للرقابة الدولية, تملك الحق في أن تصنِّع بنفسها الوقود النووي, وفي أن تخصب اليورانيوم بنفسها, وبمنأى عن الرقابة الدولية, وبنسب تكفي لصنع أسلحة نووية; ولقد صنعت منها حتى الآن ما يزيد على 200 رأس نووية.
إذا أراد العرب أن يدخلوا العصر النووي فليدخلوه من بوابته الإماراتية, فالنموذج النووي الإمارتي, الذي صمموه لنا على عجل, هو وحده الذي يستحقه العرب, الذين ليس من حقهم أبدا أن يملكوا برنامجا نوويا كالبرنامج الإسرائيلي, ولن يسمح لهم أبدا بأن يملكوا شبيها للبرنامج النووي الإيراني.
الأردن مدعو الآن إلى أن يتخلى عن "أوهامه النووية", أي عن حقوقه النووية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي, وأن يقبل, بالتالي, النموذج النووي الخاص بالعرب, والذي بموجبه يلتزم عدم تخصيب اليورانيوم (أو عدم تصنيع الوقود النووي بنفسه) وعدم إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك, فهذا الوقود يستورد استيرادا فحسب; لأن "النفس النووية العربية" أمارة بالسوء!
إسرائيل, ومن خلال ما مارسته وتمارسه من ضغوط لمنع الأردن من التمتع بما كفلته له معاهدة حظر الانتشار النووي من حقوق وامتيازات, إنما تريد أن تقنعه بأن العداء والصراع لا ينتهيان بمعاهدة سلام, أو من طرف واحد, فهي ما زال لديها من الأهداف والمصالح ما يكفي لبقاء جذوة العداء والصراع متقدة.
إنها تريد أن تقول للأردن ضمنا إن اليورانيوم الأردني الخام يمكن أن يباع لها, كالغاز المصري, فإذا حصلت عليه تولت هي بنفسها تصنيع الوقود النووي, وتحولت إلى مركز إقليمي لتخصيب اليورانيوم. وعندئذ قد تبيع بعضا من هذا الوقود للأردن; مع أنها تفضل أن تبيعه الكهرباء, التي ولدتها هي من الطاقة النووية, والمياه العذبة التي أنتجتها هي من تحليتها لمياه البحر.
أما ترسانتها من الأسلحة النووية فستبقى في الحفظ والصون; ولكنها ستقبل, في مقابل ذلك, أن تقدِّم "تنازلا كبيرا" هو أن تعلن التزامها عدم استخدام السلاح النووي ضد أي دولة عربية توقع معها معاهدة سلام, وتلتزم عدم صنع أسلحة نووية!.0
jawad.bashiti@alarabalyawm.net
العرب اليوم