لطالما شكل الاحترام الكبير الذي يحظى به جلالة الملك عبدالله الثاني، وعلى مدار السنوات، في عواصم العالم وبين زعمائها أحد أهم الأدوات في كسب التأييد لقضايا الأردن في شرق الأرض وغربها، ليتجسد مجددا وعلى لسان أحد أهم قادة العصر، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بقولها، خلال تصريحات صحفية مشتركة للزعيمين في العاصمة الألمانية برلين، في إطار جولة عمل ملكية أوروبية مؤخرا: “لقد تعلمت الكثير من جلالة الملك خلال سنوات خدمتي”.
وبالتمعن والتأمل بما قالته ميركل، والتي قادت بلادها على مدى ستة عشر عاما من نجاح الى آخر، حيث تغادر منصبها قريبا، حتى أضحت ألمانيا الدولة التي يشار إليها بالبنان لوصف كل ما هو مثالي ومتقن شكلا ومضمونا في زماننا هذا، فإن ما يلخصه قولها هو نجاح قيادتنا في كسب تقدير العالم للوطن ودوره المحوري وتفهم قادته لقضايا ومصالح الأردن العليا، لنحصد جميعا ثمار دبلوماسيته الرائدة، وليأتي النجاح هذه المرة بإعلان ألمانيا، وخلال الزيارة الملكية إلى برلين، عن حزمة مساعدات جديدة للأردن بقيمة (483.7) مليون يورو للعام الحالي، لتمويل “مشاريع تنموية في قطاعات حيوية مختلفة مثل المياه والتعليم والتوظيف والتدريب المهني والتقني، بالإضافة إلى دعم خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية، وتمويل مشاريع مخصصة للمجتمعات المستضيفة ودعم اللاجئين”.
ولأمانة القول، فما كان لهذا أن يتحقق لولا الجهود الملكية، وعلى مدار سنوات من العمل الجاد الدؤوب للدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك، دفاعا عن مصالح الأردن وخير مواطنه وهو الأولية الأولى.
وإن كانت المستشارة الألمانية قد قالت ما هو حق من امتنان لجلالة الملك على مدار سنوات من الصداقة والاحترام المتبادل بين الزعيمين، فقد جاء التعبير الملكي عن ذلك بمنحها وسام النهضة المرصع تقديرا “لجهودها الموصولة في تعزيز علاقات الصداقة وتوسيع التعاون” بين الأردن وألمانيا.
تعيش البشرية، على مدار تاريخها الطويل، هموما عديدة لن تكون آخرها جائحة كورونا القاسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وقد يكون التغير المناخي وتداعياته المخيفة الجائحة المقبلة التي ستعصف بالعالم، إلا أن المشترك في كل ذلك هو قدرة الدول على العمل والتعاون مع بعضها البعض بما يحمي مصالح الإنسانية جمعاء. وفي هذا المضمار، فقد أثبت الأردن القدرة، مرة تلو الأخرى، على حشد التأييد لكل ما يصب في خدمة البشرية، حتى أضحت قيادة الوطن ملهمة لغيرها من القادة. ولعل هذا هو سر قوة الأردن، بموارده المحدودة، عبر التاريخ.
تأتي زيارة جلالة الملك إلى ألمانيا، بكل ما حملته من نجاحات، تمهيدا لعلاقات بنفس الوتيرة وأكثر بين البلدين في مرحلة ما بعد ميركل، وهي المرحلة التي يدرك الأردن خلالها أهمية ألمانيا له في دعم قضاياه على مستوى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، والعالم بشكل عام. وفي هذا قوة استشراف القيادة لمصالح الوطن مستقبلا.
دروس عديدة تلك التي يلخصها قول ميركل لجلالة الملك، ولعله الرد الأمثل على كل من حاول، مهزوما بالطبع، الانتقاص من دور الأردن في العالم وتهميشه في الماضي القريب، أو رمي الافتراءات الباطلة جزافا مع كل نجاح تحققه القيادة داخليا وخارجيا.
وفي ظل حراك ملكي مثمر في عواصم العالم، من واشنطن غربا وموسكو شرقا وأوروبا وسطا وغير ذلك على مستوى الإقليم، تبقى الكرة في ملعب الحكومة أن تؤسس وتنجح في استثمار كل ذلك بما يحقق مستقبلا أفضل للمواطن، وهو الغاية في كل ما يقوم به جلالة الملك من جهود موصولة في حله وترحاله.
(الغد)