مماطلة المستدين ووقوفه في العرين
د. عائشة الخواجا الرازم
29-10-2021 12:03 AM
مماطلة المدين بتسديد الحق، وخاصة حينما يواجه دائنه بصلافة بعد انفراج ألمه وتسكير فجوة حاجته، ويمرق من جانب دائنه ويصعر خده.
فإن هذا تدمير لحسن النوايا التي تسبق الشعور بالمساعدة الحسنة والثقة التي تحكم علاقات الناس بعضهم ببعض.
بالإضافة إلى أن ملامح تكافل وتعاطف وهبة ريح الناس لمن يأتيك شاكيا باكيا متعهدا، ستتعطل أصلا تحت طائلة الشك والذعر من الاستيفاء، وسيقتلها سلوك وعنجهية المستدين الذي جاءك فاستصرخك، ورفعته عن تقبيل يديك، واختصرت من رزق وقوت عيالك، وحينما فرجت بوجهه استصغرك وكأنه يقول لك : لو قبلت قدمي فلن تنال مني شيئا.
مع أشد الأسف فلقد تضاعفت هذه الظاهرة القميئة المؤلمة والمستنكرة بين الدائن وبين المدين، فأفقدت جميل العلاقات الودية بين بعض الأصدقاء، وهدمت وشائج قربى بين الأقرباء.
فالعصر اغترب وحمل وحشا في أحشائه ينهش الخير والمشاعر الكريمة عند الكرماء الأطياب، فبات الذي يمد كف العون والمساعدة ويمنع الأذى عن طالب الرحمة والمساعدة لقريب أو صديق أو زميل، بات في نظر الشهود والوثائق( أهبل ) يلومه العارفون بشخصيته الورعة الدمثة، ويوجهون له التقريع والتأنيب، أقلها عبارة : الحق عليك، تحمل نتائج أفعالك.أو ما حد ضربك على إيدك.
وأعتقد أن المعضلة ستتضاعف وسيتحول الخوف من مد الغوث الذي ييسر على ناشد الإغاثة، إلى شك بدل اليقين، وينقلب على محرر المبلغ إلى صد وهواجس وتخوين يدعمه موقف المستدين المسبق ( أضرب واهرب ).
فحينما يتلفع المستدين بغطاء الاستقواء الحرام في وجه الدائن، ويبدأ بمعاداة الدائن الذي فرج عنه كربته وانتخى، ثم يتحول المستدين إلى (عنفوص ) أينما التقى الدائن يكاد يهينه وهو ( يجعلك ) جبينه أمام الناس ويتظلم ناكرا معروف الدائن ليحوله إلى تغول.
فمن خلال أفعال المستدين بالدائن، وتقمصه شخصية الحقود والرافض لمطلب الدائن، تتطور الحكاية عند المستدين لمستوى التشكي والتظلم لأقرب أصدقاء عامل المعروف وفاعل الخير، وبدل أن يتم تقدير معروف فاعل الطيب، يتعرض لتوسط أصدقائه بأن : خفف يا عمي على صاحبك فلان، وليش ضاغط عليه ؟
ثم تندرج المرحلة إلى وساطة للتسويات والدائن فاعل المعروف يحتل الموقف الأضعف، لأنه وبقدرة الصلافة والنكران من الطرف المستدين حيث يتسنم المستدين سنام الجمل الهصور وموقع المستقوي ويدعمه الوسطاء.
يخضع الدائن لعروض التسويات ويوافق عليها مكرها من قاعدة ( العور أشوى من العمى ) و( بإيش ما قالوا شالوا ) فهو يسعى للخلاص من هالأشكال الآكلة حساب الحرام الناكرة لحلال العمل.
يفوز المستدين بالتسوية بالالتزام بدفع ذاك النزر اليسير من الحق، وهو يعربد ويشتم ويتأوه، لكنه في قرارة طمعه بالحق يتلمظ متمتعا بسواد الحرام، حيث لن يسامحه الدائن.
يكرر المستدين عبارة : سامحني.
وينطقها الدائن، فينجح المماطل المستدين، ويبطر أكثر، ويبدأ بالمماطلة والتناقص السيكولوجي والشخصي والمادي، ويفوز بالإبل.
للعلم حتى تسوية الحقوق المالية وتخفيضها هو ابتزاز وهي حرام، لأنها توقع صاحب الحق تحت طاعة من استلم الحق كاملا تحت حماية وسطاء ( أضرب واهرب ) ثم تهرب المستدين وتمتع وعرض النزر اليسير مستغلا حاجة وحزن الدائن المتفاجىء.
إنني أرى أن هذا حرام، وإنني أرى ممارسة هذا الفعل تعم وتطم هذه الأيام، ليس بسبب قلة حيلة المتوسل، أو لعدمية ذات اليد، أو لفقدان خبز المستدين، أو تحت ضغط وباء مثلا، بل أصبحت «تريند» لدى فئات امتهنت الاستدانة لثقتها بأصدقاء لا يتأخرون عن فعل الخير.
وأرى أن مآل هذا الابتزاز هو دمار على دمار في حياة المستدين الذي موقفه كان مبنيا على الاستهتار بالحق الكامل.
فاللفحة التي يتدفأ بها المدين على رقبته وهو يتمختر حرام والذي حلل للمدين تصعير وجهه للدائن بأغنية ( سيبك... أنا ما بقيتش حبيبك) وراود المدين بها عن ضميره وأولاده وبناته وبيته، هو خارج عن قانون الآية القرآنية الطويلة التي تنص على تثبيت الحق وتثبيت الشهود والأجل للتسديد، والعدل !
الدستور