تتجلّى حالة الانفصام التي نعيشها في ما أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية قبل يومين، من أن غالبية الأردنيين (74%) لا يعتقدون أن الأردنيين مجتمع سعيد، بينما 65% من الأردنيين يصفون أنفسهم بالسعداء. وإلا كيف يمكنك أن تقرأ هذه المعادلة المتضاربة، إذا لم تأخذ في حسبانك أننا مفصومون، تتلبسنا حالة من ضياع ضائع.
في ذات المسار، أثارهذا الاستطلاع حفيظتنا وبلبل أحاديثنا. فهو يفصح عن أن سكان عجلون أكثر أهل الأردن سعادة. وأن أهل الطفيلة أقلهم في هذا. والمهم أو الأهم، أن بعض أهل عجلون رفضوا بشكل غاضب هذه النتيجة لأنهم يرون أنفسهم في خانة التعاسة، وفي المقالب غضب بعض أهل الطفيلة؛ لأنهم يرون أنفسهم من أهل السعادة.
لا أعرف لماذا حشر مركز الدراسات هذين السؤالين في استطلاع مخصص اصلاً لقياس شعبية الحكومة في عامها الأول. مع العلم أن السعادة لا تقاس بمثل هذه الأسئلة المباغتة المرتجلة، والمبثوثة بين أسئلة تغمُّ البال وتهز البدن، بل لها مؤشراتها العلمية وخبراؤها وموازينها العالمية المعروفة.
على كل، أنا أرى السعادة حالة فردية شخصية، أكثر مما تكون حالة عامة تقيسها أسئلة هاتفية مباشرة. السعادة بنظري قرار شخصي قبل كل شيء، لا ترتبط بالماديات والملذات، ولا بالغنى أو الفقر، بل ربما هي أقرب ما تكون إلى الروحانيات. كما أنني مقتنع تماماً، أن على كل واحد منا، أن يكون وزير سعادة نفسه، خصوصاً في أزمنة الضياع هذه، وألا ينتظر من أحد أن يطبخ له كعكة السعادة، ويقدمها له على طبق بلور مع فنجان قهوة.
في الصف السادس الأساسي شرح لنا معلم العلوم مفهوم الضغط الجوي بأنه وزن عمود الهواء، فوق منطقة معينة، وبسببه نشعر بثقل كبير على طبلات آذاننا، إذا ما نزلنا إلى منطقة منخفضة عن سطح البحر.
في ربيع تلك السنة، اشتركت في رحلة مدرسية انحدرت من جبال عجلون إلى كريمة في الأغوار. ويبدو أنني ألصقت خدي بزجاج شباك الحافلة الدافئ، واندغت متأملاً خضرة الأفق، وبيارات الموز، ونوّار البرتقال، وزهور البسباس؛ فباغتني معلم العلوم: بماذا تشعر الآن يا رمزي؟!. فما كان مني إلا أن قلت بلسان طلق دون تفكير: أشعر بالسعادة.
اليوم، يبدو أنه من الجنون أن تصرح بأنك سعيد، غير شاعر بثقل أعمدة الخواء والغلاء والبلاء على أم رأسك وطبلة أذنك وشبكية عينيك وكريات دمك. والأكثر جنوناً أن تدخل يومك مقرراً أن تعيشه بسعادة، دون أن تلقي بالاً لكل من يتربّص بك، أو بما يواجهك من تحديات وضغوط.