العجلوني .. بين الطب والسياسة
د.زهير طاهات
27-10-2021 11:49 PM
لا غرو أن القامات الوطنية والرموز التي ساهمت في دفع عجلة التقدم والنماء في الميادين السياسية والاجتماعية والطبية وغيرها من الميادين هم أسرجة الوطن وقناديله..
ومن هذه القامات الوطنية التي أفنت حياتها في دروب الوطن العالم والبروفسور كامل العجلوني الذي لا يزال يقدم عصارة فكره وثمار إنتاجه العلمي ويرسم على دفاتر الوطن لوحات وطنية الوانها من الفؤاد ليبقى الوطن حراً عزيزياً..
وقد تشرفت قبل شهر ونيف بأن تلقيت من لدنه مؤلفاً نفيساً بعنوان «تاريخ الطب الحديث في الأردن وفلسطين»، وهو من ثلاثة اجزاء من القطع الكبير يحوي كل جزء منه ألف صفحة.
ويعد العجلوني ظاهرة ملفتة للنظر والتأمل من ظواهر الإبداع والتميز في المجال السياسي والاجتماعي والطبي، فقد تقلد العديد والعديد من المناصب الريادية في وطننا الحبيب منها وزيرا للصحة، وأخرها مديراً عاماً للمركز الوطني للسكري والغدد الصماء، وهو أحد الرموز الوطنية الطبية في كل وطننا الحبيب فقد حصل على ميدالية المئوية باعتباره أفضل طبيب غدد صماء في العالم من الجمعية الأميركية للغدد الصماء لعام 2008، كما اختير من بين أفضل 2% من علماء الأرض حسب دراسة ستانفورد 2020.
وقد أشفت في البداية على نفسي من قراءة الكتاب كونه –في ظني- مرجعاً طبياً متخصصاً، إلا أنني عندما شرعت في تصفحه، وبداية من جزئه الأول وجدت أنني أقف بين يدي عالم في السياسة لفهمه وطرحه العميق للقضايا السياسية التي تناولها.. وبمزيد من الغوص في صفحات الكتاب وجدت نفسي بين يدي عالم اجتماع يحاول أن يتتبع البنية المجتمعية للأردن بتشكيلتها وأصولها الفلسطينية والسورية ونزعته القومية.. ولم يقف عند ذلك بل رسم لنا خارطة الوطن العربي قبل حدود سايكس بيكو في حديثه عن الأردن قبل التأسيس عندما كان جنوب سوريا أي جزء لا يتجزأ من سوريا الطبيعية، وغصت أكثر فوجد نفسي أكني أقف بين يدي عالم من علماء التاريخ، فهو عندما يتعمق في الحديث عن التاريخ المشترك بين الشعبين الأردني والفلسطيني نجده يثبت أنهما شعب واحد وليس بشعبين، وكيف لا وهو يثبت بأن جذورنا التاريخية والشعبية والجغرافية واحدة وأننا امتداد لبعضنا بعضاً..
وعندما تغص في صفحات الكتاب تجد صوته الوطني يرشدنا إلى التآخي بين ابناء الدين المسيحي والمسلم، ويسجل لنا إسهامات كل طرف في تطور وتقدم الأردن في الحقول كافة.
ثم تجد قلمه يسجل النور الهاشمي الذي اضاء عتمة الأردنيين في كل مجالات الحياة خاصة المجالات الطبية والتعليمية، وما بذل من جهود في إنشاء المدارس والجامعات والمراكز الصحية والمستشفيات، وعندما نقارن بين المئوية الأولى والثانية، نجد بأننا حققنا بفضل توفيق الله وحكمة بني هاشم لنكون في طلائع الشعوب العربية تطوراً ورقيّاً وتحضراً في كل مجالات الحياة.
ولا مراء أن هذا واضح أن هذا الجهد العلمي الضخم قد استغرق سنوات عديدة من العلامة والبروفيسور كامل العجلوني وهو ينحت في تقلب الأيام والليالي باحثاً عن الحقيقة ويحفر في صخر دفاتر الدولة العثمانية وأجنداتها، وأحياناً نجده ينصب لنا مراياه بكل تجل ووضوح عن ما بعد الدولة العثمانية وبداية الانتداب البريطاني مقدماً لنا النماذج السياسية حتى العهد الهاشمي المجيد، الذي معه نهض الأردن الحديث ليصبح واحة من واحات الأمن والأمان، ويحتل مكاناً مرموقاً بين دول العالم في التقدم الطبي والتقني والعلمي في كافة أصناف العلوم والمعارف الإنسانية.
لم تترك ريشته الإبداعية لوحة من لوحات التاريخ الأردني الفلسطيني إلا رسمتها وأرشفتها بالوثائق الدامغة التي لا مجال لدحضها، لتقول لنا بأن الرحم الفلسطيني والأردني من أرض واحدة.. على نحو يحرر أفكارنا من قيود الشك، ويسلط ضوءه على بعض الصور الضبابية، ليزيل عتمتها التي علقت بالوحدة الوطنية، كما يريد بنفس الوقت أن يوجه رسائل ذات أبعاد قومية لأبناء العروبة من كافة الأعراق والجذور والديانات، بأننا شعب عربي واحد لا يفرقنا دين أو لغة، أو عرق.
هذا العالِم، من مواليد الصريح عام 1943، والده فضيلة الشيخ محمد صالح العجلوني الذي عمل قاضياً شرعياً في كل من عجلون ومحافظات فلسطين، كما حصل على الدكتوراة في التشريح من جامعة هايدلبرغ تخصص في الأمراض الباطنية، وكان أول رئيس مؤسس لجامعة العلوم والتكنولوجيا، كما تخصص في السكري والغدد الصم والاستقلاب، والآن هو رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصماء، وبصفة عامة يعد العجلوني زعيماً وطنياً، وزعيماً اجتماعياً من زعماء هذا الوطن العظيم..
(الرأي)