الصهيونية الاسرائيلية الإبادية
علي الزعتري
27-10-2021 10:36 AM
تلاحق الصهيونية الإسرائيلية الإبادية الموت و الحياة العربيين بالتساوي في النشوة بإبادتهما. إنها عندها عدالةُ الإبادة، إن شئت، تقتل الحي والميت بالتساوي، ولا يقف بطريقها إلا القليل، وعبثاً إن فعلوا، فهي تعلو على المعترضين بالنفوذ المتمدد للصهيونية. قانونها هو سيادةَ نوعٌ من البشر إن اعترضت أفعال ممثليه صرت متطرفاً تجب ملاحقتك. لا تكون هذه العدالة المرتدية عباءة القضاة إلا على أشلاءنا حتى في المقابر. مقبرة اليوسفية بالقدس ليست الأولى التي يحرثها الموت الصهيوني بل سبقها كثيرٌ من الأجداثِ الفلسطينية المزروعة بالتراب الفلسطيني و التي اقتلعها العنصريٌ الصهيونيٌ الإباديُ كما يفعل بشجر الزيتون الغض الطري و المُعّمِّر على حَدٍّ سواء. لا تختلفُ علوج المستوطنين الذين يقلعون الزيتون عن علماءهم و مهندسيهم الذين يقتلعون العظام من المقبرة بِحُجَةِ البحث و التطوير. إن الصهيوني، فِطْرةً، له هدفٌ وحيد و هو قتل الروح الفلسطينية في طفولتها و كهولتها، و من بعده مطاردتها في الأكفان لأغراض الترفيه الإنتقامي عن الشعب المختار. لقد احتلت الحياة و تحتل الموت. إنها عُنصريةٌ قَلَّ مثيلها في التاريخ، أن يبلغ الحقد منك أن تقتلع الأجداث. لم يفعلها في زماننا إلا الصهاينة و الدواعش. زمالةٌ لا يربط عراها إلا إبليس.
حربُ المقابر تديرها الصهيونية بعلمٍ من العالَمْ الذي لا يعترض. ربما أحدنا سيقترح مجلساً لحقوق الأموات العرب. عند ذاك لربما بيانٌ يصدر. مقبرة مأمن الله تحولت حديقةً مرتعاً لليهود و مقبرة داود استملتكها الصهيونية و منعت الدفن فيها لقربها من مربط البراق خوفاً على المؤمنين اليهود من المؤمنين المسلمين الأموات. و اليوم تُجرف مقبرة اليوسفية. لا المقابر و لا البيوتات تسلم و لا الأقصى سيسلم. ها هي شرطتهم المجمعة من الحبشة و روسيا و بولندا و الغرب و غداً الهند و أفغانستان يحيطون أنفسهم بالجدر المحصنة داخل حرمه لحماية المؤمنين اليهود الزاحفين مثل اللصوص عليه. في المقبرة بالأرض الفلسطينية فلسطينيين وأردنيين و سوريين و عراقيين و أكراد و أتراك و من باقي هذا الوطن المكلوم انتُزِعوا نزعاً من أجداثهم لِيَحْتفِلَ فوق أديمهم الصهيوني بالنصر. لا أتخيلُ متديناً يهودياً بحق يقبل هذا. لكن الجميع صامت و الصمتُ رضى.
الصهيونية تنبش مقابرَ و تفتحُ مقابر بديلة. بعضها "رقمية"، كما الحداثةُ تقتضي، حيث يُدسَّ الفلسطيني الشهيد في كيسٍ بصندوقٍ تحت رقمٍ بمُصَنَّفٍ سريٍّ فلا يُعلمُ من بالكيس و الصندوق إلا من آلة القتل الصهيونية. و يفتتحون لنا مقابر بديلة نبنيها بأيدينا تمتد على مساحة الأوطان المستباحة حيث يُقتلُ العربي و يُدفنُ شهيداً. بأيدينا يُدفنُ العربي لكن بالنارِ الصهيونية الإبادية مقتله.
حرب المقابر هي حرب الحياة. الصهيونية تُفضِّلنا أمواتاً و تعبثُ بنا حين نموت ضِيقاً من وجودنا حتى تحت التراب. إنها لا تريدنا لا على وجه الأرض و لا داخلها. العربي الذي تكرهه الإبادية الصهيونية لهذا الحد هو كلِ أبيٍّ على التطويع و التتبيع و التطبيع و الاعوجاج حتى من هو ميت، فالأرواح لا تكذب. كل من يقول لا للصهيونية و الاحتلال هو الهدف من حرب الحياة و حرب المقابر. أما الذين يستقبلون الصهيونية و يمتلئون فخراً أنهم حضاريون مؤمنون بالدين الإبراهيمي و بِمَدِّ جسور السلام و المحبة و الوئام فهم صُمٌ بُكمٌ عُميٌ أمام هذه الحرب و هم من تحبهم الصهيونية. لكن دَأَبَ الصهيونية العنصرية الإبادية لا يتوقف و لن يتوقف و لو تكلم هؤلاء بِأَدب عن حرمة المقابر.
إن الألمَ الذي ارتدى الأم الفلسطينية الملتاعة المتشبثة بكفيها بشاهدِ قبرَ ولدها حين الإباديون الصهاينة يسحبونها عنه لتسويته بالأرض، لا يُنسى. و كذلك لا يُغفر السكوت.