قيل في اللغة إنها أداة تفكير، وأداة تواصل، ووعاء فكر، كما قيل أنها أدوات إنتاج أفكار ومشاعر ومواد جمالية، شعر ومسرح وغيره، لكن لم يتوسع جماعة اللغة في عرضها كأداة اقتصادية لها كلفتها ومردودها، مع أن العرب اخترعوا ما يسمى بالتوقيعات، وهي جمل قصيرة تختصر أحداثا طويلة مثل :
- في الصيف ضيعت اللبن
- خير الكلام ما قل ودل
- لكل مقام مقال
وكل عبارة منها تختزن أفكارا وسلوكات ومعاني عديدة، وهذا يعني بذل جهد قليل للوصول إلى نتاج غزير!! أي أننا نطبق قانون العرض والطلب . فاللغة سلعة إذا أغرقت السوق بها فإن قيمتها تنقص، وإذا ندرت تزداد قيمتها.
واللغة كسلعة تستهلك من كثرة الاستعمال، فإذا طالت خطبة ما أو اجتماع ما أو أسهب متحدث ما، فإن المستمع يعزف ويتوقف عن الاستماع.
ومن المهم أن نعرف أن اللغة كسلعة هي عملة صعبة، إذا صدرناها عادت إلينا بالكثير من المنافع، فمن حيث المبدأ نفتخر إذا رأينا منتجا عربيا في المحافل الدولية. ونفرح حين نجد اللغة العربية لغة رسمية في المحافل الدولية !
والتصدير يقابله الاستيراد، فإذا استوردنا لغة أجنبية – وقد فعلنا كثيرا- فإن اللغة العربية بحاجة إلى حماية، ولذلك علينا أن نحصن اللغة العربية محليا من خلال قانون يسمى قانون حماية اللغة ، خاصة وأن السلعة المنافسة سهلة الاستخدام وسهلة التعلم، كما أنها أكثر جدوى، فمن يتحدث بلغة أجنبية تزداد قيمته ومكانته في العمل والمجتمع.
ولذلك فإن جمود اللغة سوف يتيح للغات المنافسة فرصة الانتشار والاستخدام، ويجعلها مطلوبة أكثر، في حين أن اللغة الجامدة ستصبح بضاعة كاسدة!
واللغة كأي سلعة أخرى تحتاج إلى تسويق محلي وتسويق أجنبي . فعلى المستوى المحلي علينا أن نقدم سلعتنا بصورة محمية، وذلك من خلال إتقان أساليب تعلمها وتعليمها ، وجعل كتبها جاذبة غير منفرة !! وعلى المستوى العملي فإن أي سلعة مغشوشة سرعان ما تنكشف ، وأي سلعة فيها عيوب ستجعل منها سلعة كاسدة، ولذلك فإن شيوع الأخطاء اللغوية: النحوية والإملائية، ستجعل لغتنا كاسدة، ومهما تغنينا باللغة العربية، ومهما قدسناها، فإن ذلك لن يفيدها إلا إذا تعاملنا بذكاء مع ما يسمى اقتصاد اللغة، مع مراعاة سوق العرض والطلب والاستيراد والتصدير.
فالحماية بدورها استثمار للغة، والترجمة استثمار للغة وتطويرها لتستوعب التقنيات والتغيرات ضرورة لبنائها سلعة منافسة، والإسراف في استخدامها يقتل الوقت والاستثمار !
ما أحوجنا إلى اقتصاد اللغة العربية، وهنا أحذر من الإسراف فيها والإطالة وكثرة الاستخدام وخاصة حين نعطي قيمة لما يسمى بالارتجال، واللغويون عندنا أصدقاء للارتجال، والارتجال لا بد سيقود إلى مزيد من الكلام قليل المعنى، ولنتذكر ونحن نتحدث عن اقتصاديات اللغة ما يأتي:
كتب نابليون رسالة من عشرين صفحة إلى عشيقته، واعتذر قائلا: اعذريني للارتجال ! والإطالة! فليس لدي وقت كاف للاختصار ! فاللغة اقتصاد ! وللارتجال حديث آخر!
وشكرا للأستاذ عاطف كنعان الذي نبهني وحفزني إلى هذا الموضوع.