التراث من جذر كلمة (ورث) أو (ترث) كل ما خلفه الكبار عبرة من الماضي ونهجاً يستقى منه الابناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر الى المستقبل التراث بمثابة الجذور في الشجرة كلما غاصت وتفرعت كانت اقوى على مواجهة تقلبات الزمان ويعتبر التراث رمزاً للهوية الخاصة بالشعوب المختلفة.
وتأتى اهميته من كونه ينمي لدى الجماعات والأفراد الأحساس بالهوية ويعزز التماسك الاجتماعي واحترام التنوع الثقافي والابداع البشري وهو الحاضنة للشعوب على اختلافها وهو ما يمنحها هويتها المميزة هو معطى حركي ناقل للحضارة والثقافة المحلية ويعبر عن المراحل التى تعاقبت على ذاكرة وتاريخ الأمة وان الدعوة لمحو ذاكرة الامة هو اشبه بمحو الجينات البنيوية لكائن عضوي يحمل تاريخا وحضارة وذاكرة تضمن العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والخبرات المتناقلة.
ان التراث ينقسم الى قسمين تراث مادي وهو مشترك بين كل الأمم تتداخل فيه الحضارات وربما لكل حضارة بصمة فيه ولكنه ينسب الى الحضارة الأشمل فنقول حضارة اوربية، يونانية، رومانية، هندية، عربية اسلامية وغيرها.
اما التراث المعنوي يشمل الجانب الثقافي من الحضارة وهو بمثابة ماركة مسجلة لأي امة من الأمم وبالرغم من أن البعض يدخل الدين في التراث الا انني اخالف ذلك النص المقدس ماضي وحاضر ومستقبل وكلما وسع الدين بمفاهيمه عناصر الانسانية كلما كان اكثر انفتاحاً وشمولاً ومن هنا جاء قوله تعالى (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) اما موقفنا من تراثنا من حيث تفسير النصوص فنحن لسنا من دعاة التقديس ولا التهميش ففي تراثنا غناء وعمق وفيه غث وسمين ولا نقول في فهمنا للنص هذا هو الأسلام وانما نقول هذا فهمنا للاسلام.
اما موقفنا من التاريخ فله قوانين تحكمه كالرياضيات والفيزياء فنقول مثلا (الظلم مؤذن بزوال العمران) (والفساد هلاك للأمم) ومن هنا كان قوله تعالى (وتلك الايام نداولها بين الناس) وفي الوقت الذى نتحدث فيه عن تاريخ مجيد يجب ان نبحث عن صناعة تاريخ جديد وهناك فرق بين ان نقرأ التاريخ وأن نسكن في التاريخ ولا نحاول أن نعمل طلاءً براقاً للتاريخ بل يجب ان ننقده بموضوعية، نعاود القول ان التراث هو تراكم تاريخي طويل متعدد المشارب يشكل هوية المجتمع ويعطيه الحصانة ضد الذوبان وفي نفس الوقت فنحن من دعاة الانفتاح على العالم دون الذوبان واعتبار الثقافة حصن الأمة والتربية مفتاحها.
نحن نقرأ بأن الحياة تتغير ولكن ثوابت السلوك المرتبط بالقيم يبقى سلوكاً قيمياً مرتبطا بعقيدة الأمة فلا يمكن ان يتحول الخير الى شر والعكس بين عشية وضحاها نحن الذين نتغير ولكن المعايير تبقى ضمن مساراتها فمن السهل رجوع الناس الى قيمهم حتى وان تغيروا اما ان تصبح القيم محل نقاش فالحياة فيها متغيرات والمتغير احد ثوابت الكون ولكن هناك ثباتا في اركان الحياة والسلوك يبقى هناك دنيا بحاجة الى اعمار وآخره بحاجة الى قرار وإعمار التراث مرافق لصيرورة المجتمع ولا ينفك عنه وكل محاولات العلمنة والعولمة والتغريب والتشكيك والتجريح داخلا وخارجا من اهدافها زعزعة الثقة بمكوناتنا الاساسية التي حفظت لنا دينا واخلاقاً وسلوكا ومآلاً ولكن هيهات.
(الرأي)