أمام حدقات الكاميرات وعيونها يعجبنا في السائد أن نحتال على أنفسنا ونراوغها بشغف مثير للشفقة ، فنرسم ابتسامة سريعة وعريضة على تضاريس وجوهنا ، أسرع من ومضة (الفلاش) ، ثم بعد اضمحلال وهج الصورة ، نعود نكمل حياتنا عابسي الوجوه ، قاطبي الجباه ، عاقدي ما بين الحواجب ، ونرتاح تحت حمل (كشرة) أثقل من الرصاص،،،.
وتكبر معنا هذه العادة ، حتى أن مصوراً تشاجر مع رجل مسنّْ ، رث الثياب ، أشعث ، أكله الدهر ولفظه ، عندما جلس الرجل على الكرسي أمام الكاميرا ، فطلب من المصور أن (يكوًّس) الصورة ، أي يجعلها كويسة وجميلة،،، ، فما كان من المصور ، إلا أن قال له بفجاجة: كيف أكوًّسُ من لم يكوًّسه الزمن؟؟؟، ، عندها قال الرجل ، بنبرة حزن ومرارة: يا عمي أطلب مني أن أبتسم،،.
من صغرنا والأهل والمصورون يطلبون منا أن نفتعل الابتسامة عند الصورة ، ولأن وجوهنا قد تتشقق إذا ما ابتسمنا من تلقاء أنفسنا ، فقد كانوا يحتالون للأمر بأن ينصحوننا أن نقول كلمة (cheese) ، عند التقاط الصورة لنا،: وقد كنت حائرا لماذا يختارون هذه الكلمة تحديداً ، وعندما كبرت قليلاً ، وعرفت أنها تعني جبنة: فربطتها مباشرة بالبقرة الضاحكة،،.
وعندما كبرت أكثر ، فجعت بزيف الأشياء، ، فلماذا لم يختاروا شيئاً آخر ، يستخدمونه لصناعة الابتسامة على الوجوه غير الجبنة؟؟، ، ثم فجعتُ أكثر ، عندما عرفت ، أن لا شيء يسوًّق جبنة البقرة الحزينة ، غير أن نجعلها ضاحكة،،،.
الناس يحبون أخذ صور لهم ، وهم في أبهى حالة ، وأجمل هيئة ، أليس كذلك؟، ، ولهذا يستعدون لها ويرسمون ابتسامة ، مؤقتة خفيفة وواسعة ، على وجوههم ، بعد دوزنة هندامهم ، وبعد أن يمسدوا رؤوسهم ، ليتأكدوا من انضباطية التسريحة ، فالناس ودون سابقة تفكير ، يعتقدون أن الصورة ما هي إلا زمن مجمد ، محفوظ في ثلاجة الذاكرة،، ، نستدعيه متى أردنا ، فينساب نهر من الذكريات ، والتي هي دائماً في عرفنا أنها الأجمل،،.
ببساطة: إننا نؤمن دائماً بأن الماضي أجمل: ولهذا ترانا ، لا نأخذ صورةً لنا ، إلا موشحةً بابتسامة ، ولو كانت صفراء صناعية،،.
فلًمَ لا نضحك على أنفسنا بطريقة أخرى؟؟، ، طريقة أقوى؟، ، فنوهمها دائماً أننا في حالة تصوير ، وأن الكاميرا دائماً مصوبة (زومها) نحونا، ، فربما تظل الابتسامة طافحة ، على وجوهنا ، فربما نعتاد على الابتسامة فتتولد لنا سعادة دائمة،،،.
الدستور