لا تزال الحكومات في البلد أمينة بالكامل لأسلوب "الغمغمة" كواحد من أشهر أساليب الحكم والادارة العامة, وذلك على صعيد القضايا الكبرى أو التفصيلية.
"الغمغمة" حل وسط لا بديل عنه في النقاط الخلافية, ويمارسه الأفراد والمؤسسات والحكومات بشكل فيه كثير من الشفافية, ومن الممكن بسهولة تجاوز التناقض الشكلي بين الغمغمة والشفافية, لأن عبارة "اتركها مغمغمة" التي تستخدم في شتى الأوامر والتعليمات الرسمية الشفوية تقال بمنتهى الشفافية.
و"الغمغمة" بهذا المعنى تتيح قدراً كبيراً من المرونة في الأداء لأنها تفسح المجال أمام تعدد التفسيرات بحسب الشخص الذي يقوم بالتفسير وبحسب حاجته ومصلحته, وهي بالتالي تتيح المجال للخروج بالتوافقات المطلوبة عند اللزوم, إذ يخرج كل فريق فرحاً لأن الصيغة التي تم التوصل إليها تلبي رغبته وفق التفسيرات التي يراها "منطقية".
تاريخياً لعبت "الغمغمة" دوراً كبيراً في السلم السياسي الداخلي الذي ميز علاقة الأطراف المختلفة فيما بينها, فالمعارضة "تغمغم" موقفها فترضى السلطة بذلك, وبدورها الحكومة "تغمغم" تجاه المعارضة فتعتقد الأخيرة أنها أثرت في موقف السلطة.
لا يؤثر الاستخدام المقحم أحياناً لمفاهيم مثل: الدقة والوضوح والشفافية والتحديد والصرامة والموضوعية وغيرها على أولوية مفهوم الغمغمة في الميدان. ومن المؤكد أن البلد ستشهد بركات هذا الوضع في الأشهر القادمة التي من المرجح أنها ستكون أشهر "غمغمة" نموذجية على المستوى الكلي.0
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم