"الدولة العميقة" .. خير أم شر؟
د. حاتم الجازي
25-10-2021 03:30 PM
الدولة العميقة من المفاهيم الحديثة في العلوم الاجتماعية، وكغيرها من المفاهيم الاجتماعية لا يوجد تعريف محدد لهذا المفهوم، واجتهادات الباحثين تعددت كل حسب الجانب الذي تناولها من خلاله.
اعتبرها البعض "ظاهرة تآمرية" على الدولة القائمة، ولا تتوانى عن استخدام العنف في سبيل تحقيق أهدافها، وهذا المفهوم ارتبط بوصف المؤسسة العسكرية التركية، التي استخدمت الانقلابات العسكرية والعنف ضد الحكومات المنتخبة، بحجة المحافظة على "مبادئ اتاتورك العلمانية"، وبها ارتبط ظهور مفهوم "الدولة العميقة" في التسعينيات من القرن الماضي.
وهناك رأي يرى بأن الدولة العميقة ماهي إلا "دولة داخل دولة"، وهي عبارة عن شبكة من أصحاب المصالح والمتنفذين، من المسؤولين السابقين وأصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات الأمنية والعشائر (في دول العالم الثالث)، وتربطهم علاقات وثيقة بصناع القرار الموجودين على رأس المؤسسات الرسمية، بحيث يتفاعل هؤلاء بتناغم لتحقيق مصالحهم، ولا تشترط المعرفة بين أعضاء تلك الشبكة وإنما توحدهم "المصلحة المشتركة".
والمتفق عليه من الكتاب والباحثين، أن الدولة العميقة ما هي إلا "أجهزة حكم غير رسمية" تتحكم بمصير الدولة، وتؤثر في تفاعلاتها الداخلية والخارجية.
وجود الدولة العميقة قديم قدم أنظمة الحكم، فأينما وجدت السلطة السياسية وجد هناك نظام غير رسمي مواز لها، يهدف إما للمحافظة على استمرارية تلك السلطة أو توجيه سياساتها نحو مصالحة، أو السعي لإسقاط تلك السلطة.
الحالة الاردنية ليست بمعزل عن هذا التوصيف، ويرى البعض على أن "الدولة العميقة في الأردن": هو ذلك النسيج من التحالفات وشبكات العلاقات، والذي يشمل المسؤولين السابقين"، وطبقة أصحاب رؤوس الأموال، ومنهم من يشير إلى المؤسسات الأمنية، وآخر يضيف العشائر.
الدولة العميقة لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ الأردن، ففي الخمسينيات ساهمت في الحفاظ على النظام الملكي، ومنعت سقوطه امام حركة المد "القومي العربي". كذلك ساهمت بخلق الاستقرار السياسي خلال العقود المنصرمة وسط بيئة اقليمية مضطربة.
والدولة العميقة ساهمت ايضًا في عرقلة عملية التحول الديموقراطي والإصلاح السياسي خلال العقود الماضية.
وعلى الرغم من التوافق التام حول الحكم الملكي الهاشمي، إلا أن التغيير هو أكثر ما تخشاه "الدولة العميقة"، كونها تمثل تيار تقليدي محافظ تحصل على مجموعة من الامتيازات، وهو مقتنع تماما بأن أي تغيير (كالإصلاح السياسي) قد يحرمه من "كل أو بعض" امتيازاته، وبالتالي سيكون رافضًا للتغيير "بشدة" في البداية، ولكنه ما يلبث أن يتراجع عن هذا التشدد، عندما يتيقن أن هذا التغيير لن يمس مصالحه أو أصبح لديه "ميكانيزم" جديدة يستطيع من خلالها التواجد في المشهد الجديد "وبقوة".
تعتبر المشاركة السياسية أكثر ما "يقلق" الدولة العميقة في الأردن، لأنه وببساطة يعني زيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وهذا بالضرورة يستدعي إعادة تقاسم "المكتسبات"، الدولة العميقة في الاساس عبارة عن تحالف قائم على المصالح، وفكرة إعادة توزيع "العوائد" هي آخر ما ترغب بالحديث عنه.
أما الدولة العميقة وفي جانبها الايجابي فإنها تحافظ على توازن المجتمع ومصالح الطبقات المختلفة، وتحرص على عدم تفجر الصراع بين تلك الطبقات، ولا يمكن انكار دور "المؤسسة الأمنية" في حماية نسيج وكيان الوطن عبر تاريخ الأردن الطويل.