رئيس وزراء إسرائيل يزور موسكو .. ماذا هناك؟
د.حسام العتوم
25-10-2021 11:52 AM
ما أعلن عنه الجانب الروسي مبكرا عبر وكالة (نوفستي) للأنباء، واهتمام وزيري خارجية إسرائيل (يائير لابيد) وروسيا (سيرجي لافروف) بعزم رئيس وزراء إسرائيل (نفتالي بينيت) زيارة روسيا الاتحادية ولقاء رئيسها (فلاديمير بوتين) بتاريخ 22 أكتوبر الجاري من هذا العام 2021 حدث فعلا، وجرى اللقاء في مدينة سوتشي على البحر الأسود جنوبا ولم يجري في موسكو لاعتبارات احترازية طبية ذات علاقة بتصاعد جائحة كورونا على مستوى الإصابات والوفيات، وتزامنت مع إعلان بوتين ( لوك- داون ) في عموم روسيا لمدة إسبوع، وإعلان الكرملين - القصر الرئاسي عن عزل بوتين لنفسه بعد الزيارة الإسرائيلية التي أعقبت زيارة الرئيس بشار الأسد وحدوث إصابات كورونا في حاشية بوتين. ورغم أن زيارة بينيت هي الأولى لروسيا إلا أن الزيارات الإسرائيلية تكررت لها وكذلك الأمر بالنسبة للزيارات الرئاسية الروسية لتل أبيب وإحياء ذكرى المحرقة وحصار مدينة ليننغراد، وإسرائيل قريبة في سياستها من روسيا وتوازن توجهها مع أمريكا أيضا في أتون الحرب الباردة التي لا يراد لها في الغرب أن تنتهي حتى بعد مؤتمر جنيف 2021 التصالحي بين روسيا وأمريكا تحديدا، وتشكل حلقة وصل بين كل ماهو روسي وشرقي وكل ما هو أمريكي وغربي. وتعتبر روسيا إسرائيل جزءا هاما من عمقها الإستراتيجي وسط الشرق الأوسط الذي تصفه بالقريب، وامتداد ديمغرافي ملاحظ يشكل أكثر من مليون روسي في اسرائيل نسبة كبيرة منهم من اليهود، ولا ننسى هنا حجم التوغل السياسي اليهودي الملاحظ في قصر الكرملين الرئاسي في موسكو العاصمة.
فماذا تريد إسرائيل بينيت ( رئيس الوزراء ) وهرتصوغ (الرئيس) من موسكو بوتين، الذي وصفه بينيت بصديق إسرائيل على مدى 20 عاما؟ والمعروف بأن إسرائيل ترتهن سياستها الخارجية لأمريكا بالكامل ويناسبها ذلك لإشتراكهما معا في إنتاج (صفقة القرن) المشؤومة بالتعاون مع جهازيهما اللوجستيين، ولرغبتهما في الأبقاء على ورقة الأحتلال ضاغطة على السوار العربي المحيط بإسرائيل وبكل ما يتضمنه من مستوطنات وسجون تبقي خلف قضبانها أسرى المقاومة العربية. وتقترب تل ابيب من موسكو وتبقي لذاتها خيار التمسك بالأحتلال والأستيطان، والسجون، والتحرش بإيران في موضوع مشروع قنبلتها النووية العسكرية المشكوك بشروع انتاجها لها، وبميليشيات ايران وبعناصر (حزب الله) في سوريا على مقربة من حدودها شمالا، ومع الأبقاء على مشاريع معاهدات سلامها مع العرب من طرف واحد، ولتضمن تحريك اقتصادها إيجابا، وعدم عودتها لحدود الرابع من حزيران لعام 1967 وسط القضية الفلسطينية العادلة والساخنة. وتفضل اسرائيل الأستماع لموسكو وأن تستمر بنهجها الأحتلالي والأستعماري متكئة على عظمة الدول الكبرى، وهي أي إسرائيل تعرف ذات الوقت بأن روسيا دولة عظمى فوق النووية وتختلف عن أمريكا بإنحيازها للقانون الدولي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية.
وفي المقابل تقيم روسيا علاقات حميمة مع العرب ومع سوريا في مقدمتهم، ومع ايران، ولا تعتبر حزب الله معاديا لها وتدعو كما جاء على لسان الرئيس بوتين لمحاورته. واسرائيل محاطة بحالة عدم استقرار من طرف فلسطين وسوريا ولبنان، ولديها قلق من ( الأرهاب) العربي والإيراني رغم عدم صحة التعبير، ولاتعتبر نفسها دولة إرهابية - إحتلالية إستعمارية إستيطانية ذات الوقت. وروسيا صاحبة مواقف مشرفة مع العرب في الحروب الإسرائيلية الأخيرة 1967 و1973، و1988، وإبان اجتياح العراق المؤسف للكويت عام 1990. وإن اعتبرت روسيا إسرائيل من خطوطها الحمر إلا أنها لا تتفق مع سياستها الاحتلالية والاستيطانية، وتطالب علنا خلافا لما تعتقده إسرائيل بحل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين القابلة للحياة وللديمومة، وبدراسة حق العودة والتعويض، بينما تدعو اسرائيل لحل الدولة الواحدة العنصري، وللإبقاء على الاحتلال والاستيطان وعلى السجون مفتوحة للمقاومة العربية، وللسيطرة على كامل القدس - مدينة السلام والأديان السماوية الإبراهيمية السمحة كافة.
الأهم بالنسبة لإسرائيل في حراكها الأمني والسياسي وسط العرب وعلى خارطة العالم ومن وسط مطبخها المشترك هذا هو نشر هلالها عبر معاهدات السلام وسط العرب لمواجهة الهلال الصفوي - الإيراني، ولكي تضمن عدم تخطيط العرب موحدين يوما لشن حربا عليها على طريقة جمال عبد الناصر وأنور السادات وحافظ الأسد، ولتحقق فائدة اقتصادية كبيرة من بترول العرب وغازهم، ومن استثماراتهم المليارية الدولارية، ومن ما لديهم من طاقات بشرية، ولتشجيع أمريكا أكثر بتزويدهم بالسلاح غير الضار لها لسحب أموالهم الكبيرة، وتخوف لديها أن لا يصل السلاح الروسي التي تزودت سوريا به في حربها على الإرهاب لمدة عشر سنوات وحتى الان، ليصبح بيد صنوف الإرهاب المختلفة، المصنفة لديها مثل (المليشيات الإيرانية) و(حزب الله). وفي المقابل (داعش) و(النصرة – ولاية الشام ) من عصابات تنظيم القاعدة الأم المجرم.
وإسرائيل معنية بالتعاون مع روسيا في مجال مكافحة كورونا والحصول على لقاح ( سبوتنيك v ) المتفوق عالميا، وللتزود بالتقنيات الحديثة في مجال الصناعات النووية السلمية والعسكرية، وفي مجال الحصول على السلاح التقليدي الحديث المتطور، ولكي تضمن إسرائيل تفوقها عسكريا على مستوى الشرق الأوسط، ولتوسيع شبكة شركاتها التجارية في العمق الروسي والتي وصلت الى 7000 شركة معروفة . وعلاقات ثنائية في المجال السياحي أيضا بين منطقتين إحداهما باردة أي روسيا والأخرى دافئة أي إسرائيل في فترات عيد الميلاد وعيد الفصح وبداية فصل الخريف خاصة الان في ظرف جائحة كورونا المتصاعدة. ويبقى السؤال الثقيل الذي من الممكن لإسرائيل أن تحمله لموسكو في موضوع القضية الفلسطينية هو مساواتها للديمغرافيا الفلسطينية بقنبلة ايران النووية المزعومة، وتحاول تقديم حق التعويض على حق العودة وهو المرفوض عربيا . وعلى صعيد العلاقات الإسرائيلية - السورية المقطوعة بسبب إحتلال إسرائيل لهضبة الجولان العربية السورية عام 1967 ولعدم تمكن الطرفين الإسرائيلي والسوري من الوصول لمعاهدة سلام على غرار دول عربية عديدة، تأتي زيارة بينيت هذه بعد زيارة الأسد الأخيرة لموسكو لبحث ملف السلام بينهما واحتمال أن يشمل لبنان أيضا، خاصة وحالة عدم الاستقرار تسود المنطقة العربية والشرق أوسطية بالكامل ومن مصلحة إسرائيل كما سوريا ولبنان والعرب التجديف صوب الاستقرار والتنمية الشاملة، ولايمكن لهذه الصورة أن تكتمل من إلغاء اسرائيل لاحتلالتها وإستيطانها ولسجونها منذ عام 1967 .