المونديال .. قسمً العيال !
د. سمير حمدان
04-07-2010 12:28 AM
تجتاح مجتمعنا هذه الأيام موجة من الظواهر الحديثة والتي يرى فيها الكثيرون أنها غريبة وطارئة. ولكن للأسف لم نجد من يتصدى لها بحثاً وتحليلاً من أصحاب الاختصاص الذين تركوا اختصاصاتهم وانخرطوا في أمور تعود عليهم بفوائد أكثر. ومن تلك الظواهر هذا التسابق الصحفي لبث أخبار الجرائم والانتحار والتي أصبحت لكثرتها وتكرارها وتسليط الضوء عليها مثار تسلًية للمتلقي.
ومنها ظاهرة اغتيال الشخصية والتي تكاد أن تصبح حرفة أردنية بامتياز. فلا يوجد على سبيل المثال رئيس جامعة ناجح. وإن وجد تراهم يتصيدون فيما حوله من ماء عكر. وفي حال سمع البعض بقرب تشكيل مجلس تعليم عالي ، تراه يطلق مواهبه الميتة منذ زمن ليكتب عن الجامعات وتراجعها وكذلك البحث العلمي وكأن المطلوب من الباحثين الأردنيين إعادة اختراع العجلة. وإن لاح في الأفق تعديل وزاري ترى النائمين وقد استفاقوا من غفوتهم واكتشفوا فجأة محاسن وخيرات الحكومة الرشيدة . وإن سمعوا بقرب رحيل الرئيس نبشوا المدفون في عهده وعهد جده. لا نصادر على كل هؤلاء حرية الرأي فهي مصانة رغم أن لا فضل لهم في شيوعها كركن في سياسة الدولة. ولكن نطالبهم بمصباح علاء الدين الذي يدعون حيازتهم له.
كل ما سبق من أفكار له صلة بعنوان المقال. فظاهرة هيجان الشباب حملة الأعلام للدول المشاركة في المونديال ومواكب السيارات وزواميرها، تعبر عن مدى ما نحن فيه من أزمة ثقافية وأخلا قية وحضارية ، جعلتنا نفرح لمن يشتمنا ونتلذذ بمن قهرنا واستعبدنا لعشرات السنين. وهذا في معظمه من صنع أيدينا. فالأمة الضعيفة لا تعود مصدر فخر لأبنائها وتجعل من ممثل كبير مثل عادل إمام يكتشف وهو على حافة قبره بأنه لا يوجد أمة عربية. ولم يكن ليجرؤ على قول هكذا هذيان لو كان حالنا أفضل مما هو عليه. ولعلنا نجد لشبابنا بعض العذر ، فنحن من أوصلهم لما هم فيه. وعندما صرخ خالد الكركي مطالباً الشباب بالتمرد على الظلم والانعتاق من ثيمة من علمني حرفاً كنت له عبداً، والسعي نحو الحرية والإيمان بكلية الوطن ، والإصغاء لجروح الأمة الغائرة في فلسطين والعراق. تنادت الأقلام التي لا تحب سماع هذا الكلام وجعلت من الشخص موقعاً لهجومها .
إذاً ليس غريباً في ظل هذا التشظي وفقدان الرموز أن يلجأ شبابنا لأمثلة خارجية حين ينعدم أو يعدم المثال في الوطن. من يرى ميركل مستشارة ألمانيا وهي تصفق منتشية بفوز فريق بلادها يرى في عروق رقبتها الشقراء دم النيلاء الأزرق الذي تأسست عليه الأمة الألمانية.
ومن رأى أردوغان وهو ينسحب من جلسة الأمم المتحدة بعد تطاول بيرس ، لحظ في عينيه الأسد العثماني الذي سطى على معظم أوروبا الحديثة ومعها أجزاء من الصين.
ومن يستمع لأحمد نجاد وهو يماطل ويراوغ أعتى قوة عرفتها البشرية، يعرف أنه قاريء لتاريخ أجداده الذين أخضعوا العالم لحكمهم يوماً ما.
هذه أمثلة نسوقها بعد أن فعلت فينا الرياضة فعلها. وبدأ أفراد العائلة الواحدة يتوزعون الولاءات الزائفة دون خجل. فنرى شباب يحملون علم هولندا التي تجرأ مجنونها (فلدز) على إنتاج فيلم فتنه قبل أن ينكر وجود الأردن.
ونفر آخر يحملون أعلام بريطانيا التي لا زلنا نتجرع مرارة ما فعلته بالمنطقة . وينطبق هذا على فرنسا وأمريكا وغيرها . وأخشى أن ينسى الشباب العربي ما فعله بنا الصهاينة ويخرجوا حاملين أعلامهم إن نافسوا على الفوز بكأس العالم .
كنا نسمع بالقرعة التي تتحالى بشعر بنت خالتها الجميل . وها عشنا وشفنا الضحية تصفق للجلاد.