إشكالية الموقوفات إداريا وواجبات الحكومة
النائب زينب البدول
25-10-2021 12:06 AM
تضمنت الأوراق النقاشية الملكية توجيهات مهمة لإصلاح القضاء؛ وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ منظومة حقوق الإنسان في المملكة، وبدا الالتزام الحكومي بمضامين تلك لأوراق متفاوتا وخاضعا لمختلف التأويلات والاحتمالات، نتيجة ظروف عدة لسنا بصدد نقاشها، غير أن اطلاق الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان، والسعي لتفعيلها وتطويرها في المؤسسات العامة، يطرح النقاش مجددا في قضايا حقوقية هامة تتعلق بفئة النساء تحديدا، ومن ضمنها قضايا التوقيف الإداري للنساء الأردنيات والأجنبيات، ويحيل ذلك إلى ضرورة إعادة النظر بالتشريعات والقوانين التي تقيد حرية النساء تحت مبررات توفير الحماية لهن في بعض الظروف.
توضح إحصاءات وزارة الداخلية التي وردتنا بشكل رسمي؛ أن مجموع عدد النزيلات الموقوفات إداريا خلال العام الحالي بلغ لغاية شهر أيلول الماضي 1561 نزيلة، من أصل 2615 نزيلة في مراكز الإصلاح والتأهيل من ذات العام، وتتراوح الأعداد بين الانخفاض والارتفاع، فعلى سبيل المثال بلغت أعداد الموقوفات إداريا خلال العامين 2017 و2018 على التوالي؛ 2577 نزيلة و2557 نزيلة، كما بلغت نسبة الموقوفات إداريا من مجموع النزيلات 60% خلال العام الحالي 2021، وهي مرشحة للارتفاع مع نهاية العام، أما بالنسبة للنزيلات الأجنبيات الموقوفات إداريا في مراكز إصلاح وتأهيل النساء منذ عام 2016 ولغاية شهر ايلول 2021 ، فقد بلغ متوسط أعدادهن 684 نزيلة، ونلاحظ ارتفاع ملحوظا خلال العامين 2018 و2019 إذ بلغ على التوالي: 833 نزيلة، و 879 نزيلة.
تقدم الإحصاءات السابقة مؤشرات واضحة لازدياد أعداد الموقوفات إداريا من أردنيات وأجنبيات، ولا يمكن أن نصل إلى تفسير واضح لتلك الزيادة نظرا لمحدودية المعلومات الرسمية المتاحة التي تقدم أرقاما فقط؛ لكن يمكننا ومن خلال الاستقصاء أن نقدم انطباعات أولية تشير إلى سياق الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تواجهها المرأة الأردنية تحديدا، حيث يتم التعامل معها كعنصر ضعيف غير قادر على حماية نفسه، ويتم في هذا السياق تحديد حركتها في المجال العام وتقييد حرياتها وفق المعايير الذكورية والمنظومة الثقافية المنبثقة عن تلك المعايير، كما يمكننا طرح أسئلة ذات أهمية تتعلق بأوضاع النساء الأجنبيات الوافدات والتحديات التي تواجههن في بيئات العمل.
تستند إجراءات التوقيف الإداري للنساء وإيداعهن في مراكز إصلاح وتأهيل النساء إلى خلفية قانونية تطرح مبرراتها؛ إذ يمنح قانون منع الجرائم الحكام الإداريين سلطة التوقيف الإداري بدون قيود أو حدود، و يتم حجز وتقييد حريات النساء لفترات زمنية طويلة في السجون تحت مبررات توفير الحماية لهن، وهذه المبررات لم تعد تتواءم مع منظومة حقوق الإنسان وحالة التطور الاجتماعي التي يمر بها الوطن مع بعد المئوية الثانية للدولة، كما أن هذه الإجراءات الإدارية مخالفة للدستور والمواثيق الدولية، وهي في الأصل من صلاحية القضاء وليس الحاكم الإداري، ويبدو أن إجراء التوقيف الإداري المفتوح لتلك الفئات الضعيفة هو الأسهل بالنسبة للجهات التنفيذية، إذ نفتقر إلى وجود بدائل آمنة لحماية النساء ومن ضمنها مراكز إيواء منتجة وشاملة لخدمات الرعاية الاجتماعية والدعم النفسي والتمكين؛ تقيم بها المرأة بحرية وكرامة، ومن هنا فإن الدعاية الحكومية الموجهة لحل العديد من التناقضات والممارسات الاجتماعية المنبثقة عن النظام الثقافي الذي يحكم المجتمع، والذي يعزز انعدام المساواة، والهيمنة على النساء؛ تبدو ضعيفة وغير قابلة للتطور.
إن مفهوم سيادة القانون الذي دعت له الأوراق النقاشية الملكية؛ يضع الحكومة أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في ملفات عديدة وعلى رأسها ملف النساء الموقوفات إداريا، بحيث ينبغي إيجاد التشريعات الملائمة، وتعديل بعضها، و تشديد العقوبات على كل شخص يهدد حريات النساء وحياتهن، وإلغاء كافة أشكال التمييز ضد النساء في مختلف المجالات والقطاعات، وكحل مؤقت لجميع المخاطر والحالات التي تتهدد حياة تلك الفئة؛ ينبغي إيجاد بدائل كما قلنا وبيئات آمنة تمكن تلك الفئة من العيش بكرامة وحرية، وهذا يتطلب من الحكومة السعي حثيثا لإيجاد تلك البدائل وإعادة دراسة الملف بشكل يضمن تحقيق حرية الإنسان بالدرجة الأولى.
(الدستور)