المفلحون هم ملح الأرض كما ورد في قاموس المعاني، وعندما خاطب سيدنا عيسى -عليه السلام- تلاميذه قال: أنتم ملح الأرض، ولكن إذا فسد الملح فبماذا يملح؟ والملح يساعد في الحفاظ على الغذاء من التعفن، ويساعد على التخفيف من حامضية الطعام، ويساهم في البناء الحيوي للنباتات، وفي مستويات معينة يتفاعل الملح خلال ذوبانه في الماء وبعض السوائل لزيادة قوته الجزيئية، ومع هذا فزيادته تعمل على تدمير الخلايا في النبات والحيوان، وحتى في البناء يكون له دور في تماسك بعض المواد وتقويتها.
أما فيما يتعلق بالإنسان فالملح من المحظورات في عملية السلامة والصحة، ولكنه يساعد على جودة الأشياء، ويستخدم في الطعام كتوابل طبيعية، ولهذا يتم استخراجه من الحجارة الصخرية فيما يعرف بالملح الصخري، والملح يتم تذويبه في الماء ويتم نشره في أمكنة التجفيف ليصار إلى تكريره، ومن مخاطره أنه يعمل على رفع ضغط الشرايين وانسدادها لذلك يعتبر سُما في كثير من الأحيان. ووجوده في التراب يساعد على ثبات النبات الذي يحتاج إلى نسبة منه كي يقيم أود الجذور التي تخرج من رحم الأرض أشجارًا وقمحًا، ويعمل على التقليل من صدأ بعض المعادن.
والمفلحون هم ملح الأرض إذ يقومون الاعوجاج، ويعملون كل ما بوسعهم لاستعادة بهاء الأرض ورونقها؛ فهم المعلمون الذين يعملون ليلا نهارا كي يجعلوا الأجيال سوية تتقدم بالقدر الكافي، بوجود معلمين من كافة التخصصات، فيتم الأخذ بيد الذين يكبرون وتكبر أحلامهم وأوطانهم، يصونون العز ويعزون أفعالهم المصانة، ويمدون فوق التلال شعاع الشمس وفوق الصحاري يرسمون وطنًا بعمر الأرض، والمفلحون هم المهندسون والأطباء والفلاحين والمهنيين بكافة أنواعهم، والقضاة والجنود والقادة وعمال النظافة، والطلبة والجيل القادم والعلماء والسياسيين والشعراء والأدباء وكل المهن، ففي المستوى التكاملي هم أبناء وبنات الوطن وهم ملح الأرض وعطرها.
وملح الأرض هم الشهداء الذين تخمرت الأرض بأجسادهم وهم يدافعون عن بني جلدتهم ودينهم، ومن لم يسألوا مالًا ولا جاهًا ولا سمعةً بل أقبلوا غير مدبرين مكشوفي الصدور واثقي الخطى لحماية الأرض والعرض، وهم من يحفظوا الأجيال من التبدل في العقيدة، فكان ملح الأرض هم من حموا الأرض ومن أعطى للتراب لونه وعطره وخضبه بالدم القاني، ثم كان الجنود هم ملح الأرض التي علت بهاماتهم، فكانوا الفرسان الذين اعتلوا صهوة الخيول التي صهلت من وقع حرابهم، فحموها وأشاعوا في حواريها الأمان بعد أن أشعلوا في رؤوس التلال حروبهم ضد المعتدين والخونة، وما كبت جيادهم في ميادين الإعداد والشرف، وهاهم عمال النظافة من تأنف النفوس مواقع جهادهم، فيقبلون على عملهم إقبالهم على الحياة، سعادة تغمرهم بالواجب الملقى على عاتقهم، يدفعهم واجبهم نحو عائلاتهم ووطنهم، وهم أشد ما تجد إخلاصًا منهم منقطع النظير، وما أروع راحة البال التي تحفهم وهم ينهون أعمالهم ويخلصون إلى بيوتهم وأسرهم، وهم أشد الناس اختلاط بالتراب مع المزارعين الذين يجهدون بكل ما أوتوا من قوة وهم يحرثون الأرض ويسترعونها، ويوفرون الماء ليجعلوا الأرض معطاءة كعطاءهم، فهم ملح الأرض وقوتها، وكذا الأطباء والمهندسين والعلماء والمبرمجين.
ويبقى أي عامل أو مواطن مهما بلغت درجته أو منصبه تزداد أهميته كلما كان مخلصًا في عمله ويضع الوطن في ذاكرته ووجدانه، وكلما ازداد الذين صاروا من ملح الأرض، صارت الأرض حبلى بجيل يحمل المستقبل أمانة ويجعل الحاضر زادًا ويبقى الماضي فيه ذكرى.
am.yo77@yahoo.com