ليلى الأطرش: مسيرة لا يطفئها الموت
خالد دلال
23-10-2021 12:34 AM
خطت لنفسها مسارا واضحا في نصرتها لقضايا المرأة العربية، عبر إبداعات أدبية ومقالات ومواقف معبرة عن مبادئها، لتكون من بين القلائل في الحياة ممن جسدوا حالة من الانسجام الصادق مع الذات والمجتمع.
كان لاستقلاليتها في الفكر والممارسة، ورفضها التحزب لأي جهة، سياسية أو غيرها، نموذجا للمرأة العربية الحرة في قرارها ونظرتها لتفاصيل المشهد، لتأتي رواياتها وقصصها تعبيرا رصينا عن ذلك.
لم تساوم على قيمها، بل استمرت في العمل والمثابرة والعطاء، وفق ما تراه صحيحا ومنطقيا في سبيل صحوة عربية ثقافية حقيقية تكون المرأة فيها شريكا لا تابعا، فكسبت عقول وقلوب الآلاف من القراء، ممن أحبوا فيض سردها الدافئ وجميل معاني كلماتها وعباراتها.
ترجمت رواياتها، التي وصفتها يوما: “هي أنا، رؤيتي للعالم، وهو ما سيتبقى مني”، إلى عشرات اللغات، ولتدرس في جامعات العالم، لتؤكد أن المرأة العربية قادرة على بلوغ العالمية، إن هي آمنت أن لديها الإرادة والوسيلة لذلك، بعيدا عن إحباط المحبطين، في عصر زاد فيه ضجيج من لا يعلم، وهم كثر، بفعل وسائل التواصل المشرعة على مصراعيها أمام من هب ودب.
نحو عشر روايات ما خطه قلمها، لتكون روايتها المقبلة ما سيرثيها به محبوها، ممن آمنوا، كما كانت هي، بالتعايش والتسامح بين البشر في وجه غلو البعض وتطرف الفكر على اختلاف مسبباته.
وفي رواياتها، يلحظ المرء، بين ثنايا العبارات والجمل، دقة التفاصيل وبلاغة الوصف، فقد كانت الحريصة على سبك الكلمات بعد تفحص أبعاد الزمان والمكان، كما في روايتها “ترانيم الغواية”، لتوظف أيضا قراءاتها التاريخية والجغرافية خدمة للنص، كما جسدت ذلك في روايتها “لا تشبه ذاتها”.
عملت بصدق النوايا والأقوال على تغيير الكثير من الصور المغلوطة عن العرب في العالم، فحققت بذلك ما عجز عنه الآلاف من رجال عصرها، ممن تقوقعوا خلف ستار العصبية على اختلاف مشاربها، لتحافظ في الوقت نفسه على ثقافتها العربية محرك إحساسها وإبداعها.
هي من القلائل الذين التقوا مرتين بالشاعر الكبير نزار قباني، خلال عملها مذيعة تلفزيونية، وكانت جرأتها في طرح الأسئلة مثار احترام وتقدير شاعر الحب والجمال، حتى أنه تنبأ لها بقدوم يوم يضحي فيه برنامجها “ما يطلبه المشاهدون”.
هي ليلى الأطرش، المرأة التي أسمعت كلماتها، كما قال شاعر العربية المتنبي، “مَن بِهِ صَمَمُ” لتصنع الفرق لنفسها فكرا، وتترجمه واقعا للكثيرين ممن أحبوا نهجها في زمن لم يزل فيه من لا يفهم، حتى يومنا هذا، أن الإنسانية هي أكبر جامع لنا، وأن لجميع البشر حقوقا وعليهم واجبات، سواء كان الأمر خاصا بالمرأة أو شريكها الرجل.
لا نقول وداعا، فهي الحاضرة بفكرها وأعمالها بين من آمن بحق المرأة العربية في مستقبل هي فيه سيدة نفسها، بعيدا عن قيود مجتمع الذكورة وعقده.
ورغم عديد ما حصدته من جوائز في حياتها، من جائزة كتارا للرواية العربية وجوائز دولة وغيرها، فحقها علينا أن نخلد ذكرها وكبير شأنها بجائزة تحمل اسم من كانت يوما العاشقة للأردن وفلسطين، ونصيرة من لا نصير له.
رحم الله روحا تسامت عن صغائر الحياة إلى معنى أن يكون الإنسان إنسانا بحق. فهي فعلا، كما وصفت نفسها ذات مرة: “امرأة لا تملك إلا عقلها”. وهو كبير بحجم الحياة في حضورها وغيابها. وعلى روحها السلام، ولمحبيها الصبر والسلوان.
الغد